بعد هلاك الإرهابي “قاسم سليماني“ ورفاقه، أراد نظام طهران الثأر له، ولكن على طريقته التي يجيدها، فوجّه صواريخه تجاه طائرة ركاب مدنية أوكرانية على متنها 176 إنسانًا لا ذنب لهم إلا أنهم قدموا إلى طهران سائحين، أو عاملين في سفارات دولهم. وقعت الحادثة، وأنكرتها طهران كعادتها، ولكن الأقمار الاصطناعية التي لا تنام كشفتها، وأعلنتها للعالم، وبعد ضغط دولي، ومراوغة إيرانية لم يجد نظام الملالي بد من الاعتراف بها بعد إنكارها، وافتضاح أمرها.
وقبل ذلك كنت أتحدث إلى قناة الإخبارية السعودية، عن الضربة الهشة الإيرانية على قاعدتين أمريكيتين في العراق، تطرقت للحديث عن الطائرة الأوكرانية المنكوبة، وأطلقت عليها تيمنًا وتفاؤلًا بيقظة الضمير العالمي “لوكربي إيران“، التي سوف تضاف إلى الفاتورة الإيرانية المتضخمة من أربعة عقود، بسبب الصمت العالمي عن جرائم الملالي، فجنى العالم نتيجة صمته، والقادم ربما يكون أسوأ!!
لكن لماذا حدث هذا الاعتداء على الطائرة المدنية الأوكرانية، وهل هو مقصود؟ أم نتيجة خطأ بشري؟، لا أحد يعلم حتى الآن، لكن سنقرأها من كلتا الزاويتين، فإن كانت خطأ كما زعمت حكومة طهران، فهي مصيبة، وإن كانت مقصودة فالمصيبة أجل وأعظم.
فالنظر إليها من زاوية أنها خطأ بشري، يرد عليه بأن إيران دولة تمرست على الحروب، ولا يخفاها في مثل هذه الحالة اتخاذ جملة من التدابير، ومنها إغلاق مجالها الجوي، وتعليق الطيران لمدة أربع وعشرين ساعة على الأقل، حتى الانتهاء من العملية العسكرية، وتحسبًا لردة الفعل الأمريكية!! وأيضًا إذا كانت هذه الحادثة خطئًا بشريًا، فنظام الملالي لا يحسن التعامل مع الأسلحة التقليدية، فكيف لو تمكن من أسلحة الدمار الشامل؟، وهو يمتلك عقلية لا يمكن التنبؤ بما تفعل، ولا إلى أين تسير؟!، ويمكن استنتاج وجود فجوة وتضاد بين الحرس الثوري والمؤسسة العسكرية، ما يعني عدم التنسيق والصراع الخفي بين الطرفين.
وأما النظر إليها من زاوية القصد مع سبق الإصرار والترصد، فأبسط ما يمكن تبريره أنها حماقة إيرانية أرادت افتعال أزمة للهروب من أزماتها المتكررة، هلاك سليماني وزمرته، الشلل الاقتصادي، النقمة الشعبية، في طهران وبغداد ولبنان، تعقيد الأزمة بين واشنطن وطهران بإشراك عددًا من الدول التي هلك مواطنوها في الطائرة المنكوبة، وهناك من ينظر إليها من زاوية أخرى، ويذهب إلى القول بوجود نية استهداف الطائرة بهدف قتل الشهود الذين حاولوا الهروب بمعلومات تدين النظام الإيراني، أو بوجود تمرد داخل الجيش نتيجة سطوة الحرس الثوري وطغيانه وتحكمه بمؤسسات الدولة، فتمت هذه العملية التي توحي بغياب التنسيق وبحضور الخلاف والشقاق بين الكتلتين المسلحتين.
وأيًا ما تكن الأسباب، فالنظام الإيراني يجب محاسبته دوليًا، فلا تكاد توجد دولة لم يرتكب هذا النظام جرمًا بحقها، منذ احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 إلى تفجير طائرة مدنية أوكرانية 2020، وما بينهما من حواداث إرهابية يقف خلفها ملالي طهران؛ فهل يستيقظ الضمير العالمي ويبدأ الحساب، بعد أن استحقت فواتير النظام الإيراني السداد؟