انتقلت أسرتي الصغيرة من مكة إلى جدة وطوال الطريق أخذت أفكر وأتخيل الحياة الجديدة التي تنتظرني، وأنا قابع في المقعد الخلفي في سيارة الفولكس واجن الصغيرة التي كان يقودها أبي، ويردد على مسامعي بعض الكسرات الشعرية من التراث الشعبي الجميل لازال صداها يرن في أذني حتى الآن، وأشعر بنفس الإحساس الجميل الذي لازال ينتابني حينًا بعد حين، وكانت بعض كلماتها مثل
( ياسيد هيا معي قُربان .. مربى الضبى والقماري فيه
والورد في دياركم عطشان.. ياسيد هيا معي نسقيه
وحلفت لا روح للطايف ..وأجيب لأهل الهوى تفاح
ماني حرامي ولا خايف.. ومن جرب الود مايرتاح
وجيبوا طبيب الهوى جيبوه.. خليه يكّشِف على جُرّحِي الخافي،
وأعطوه مايمتني وأرضوه.. من قبل ما منيتي تافي
كلمات رائعة تحمل معاني الوله، والحب، والعواطف، والحنان والأشواق المشتعلة، والجياشة التي أصبحنا نفتقدها للأسف هذه الأيام.
وكانت بداية انتقالنا من مكة إلى جدة بداية مشجعة؛ حيث وجدت في المنزل الجديد الكهرباء والثلاجة والغرف الواسعة وشجرة ياسمين كانت تتوسط منزلنا الكبير وتملأه عبقًا وأنفاسًا عطرة ورائحة زكية تنعش القلب والروح.
الله كم كانت لهذة الشجرة الفاتنة من ذكريات عزيزة على قلبي أصحو على رائحة الياسمين، وأنام على رائحة الياسمين، وأقطف كل يوم ياسمينة جميلة بيضاء أهديها للمحبين.
ومن حسن حظي أن جدتي -رحمها الله- تسكن معنا في نفس المنزل حيث كانت نعم السند بعد الله من غضب وعقاب أبي والمحامية التي لا يستطيع والدي أن يكسر كلمتها أو شفاعتها.
وكم كان يحلو لي أن أزورها في غرفتها، وهي تجهز شاي العصرية على طباخة خضراء اللون، وتضع تلقيمة شاهي مثالية من العطرة والورد والنعناع لم أشرب شايًا مثله أبداً في حياتي في مختلف الدول في الكرة الأرضية.
وحين يحل المساء نجتمع حولها أطفالًا فرحين سعداء مبسوطين؛ لنستمع إليها وهي تقص علينا قصصًا جميلة عن رعي الأغنام فوق الجبال، وجلب المياه من الآبار وأخرى حزينة وموجعة عن عددًا من أبنائها الذين توفاهم الله بسبب أمراض لم تكن تعرف أسبابها ولا كيفية علاجها حيث كانت الخدمات الصحية ضعيفة وغير متوفرة بشكل كافٍ في ذلك الوقت، ولم يتبقَ لها إلا أبي -حفظه الله- وبنت وحيدة كانت فائقة الجمال، اليوم رحلت جدتي وتبعتها عمتي رحمهم الله جميعًا، وعشنا بعدهم نذكرهم بكل الحب والتقدير وطيب الأصل، ونبل الأفعال.
أدخلني والدي المدرسة الابتدائية في حي السبيل بالقرب من قصر خزام ذلك القصر الملكي الجميل الذي ظل شاهدًا على روعة وذوق الأسرة السعودية الملكية الحاكمة -حفظهم الله- بحدائقه الغناء، ومداخله وأبوابه الواسعة، وتصميمه الجذاب الذي يأسر الألباب.
وكان يحلو لي أن أتجول داخل أسواره، وأقطف زهرة من أجمل أزهاره، وأرمي بجسدي الصغير على أرضه وتحت سمائه، وأتسلق في فرح وشقاوة جدرانه وأشجاره، وأراجع دروسي في أحد أركانه، التي تبعث على البهجة والسرور وراحة البال وتعيد للعقل نشاطه وصفاءه.
أذكر أيضًا مدرس العلوم الذي كان يدرسنا، ويحرص على التطبيق العملي لتبسيط المنهج وكان يدربنا كيف نصنع المربى والجبن، ويسمح لنا بأخذ الأكل الذي نعمله معنا إلى منازلنا فرحانين بما أنجزنا من منتجات شهية وطازجة مذاقها عال العال.
وكانت المدرسة تنفذ معرضًا سنويًا يجسد نشاطات الطلبة والمواضيع التي ندرسها، ويتولى عدد من الطلبة الشرح والتوضيح لضيوف المعرض وزائريه الكرام.
وكان الموضوع الذي كلفت بشرحه للضيوف عن الحشرات وأنواعها ومضارها، ومن حسن حظي أن مدير التعليم وقف أمامي وشدّته الصور فسألني أشرح لنا عن ما لديك يابني فبدأت بشرح الصور بدون تلعثم أو خوف أو وجل، وكان الجميع يبتسم لتمكني من الموضوع ويقولون لي أكمل يا بطل، وأخذتني النشوة والحماس فجاءة حين وصلت لصورة الذبابة وقلت بصوت عالٍ مسموع بشيء من الغضب والزعل، هذه الحشرة المؤذية ياسادتي أخطر في مضارها على الإنسان من القنبلة الذرية فالتفت إلي مدرس العلوم ورمقني بعين تنبي بشرر، جعلتني أتلعثم ولا أكمل الشرح وأقول في نفسي ايش فيه ايه اللي حصل، وحين غادر مدير التعليم عوتبت عتبًا شديدًا على هذا الاجتهاد الطفولي الذي كان من المفترض أن يشجع، وأن لا يقمع ويغتال في مهده الأمر الذي جعلني أخاف وأتردد من تكرار التجربة زمنًا طويلًا، وأتفادى الظهور والكلام أمام الناس مهما حصل.
لا زلت أتذكر أيضًا في تلك المرحلة المبكرة من طفولتي لعبة (الكنفة)، وكيف كُنّا نقضي ساعات في انتظار عصفور نصطاده حين تُطّبِقْ عليه الصفيحة التي نسرع بسحب العامود الذي ترتكز عليه بمجرد أن يدخل العصفور مطمئنًا تحتها ليشرب من الماء الذي وضعناه، ويأكل من الحبوب التي نثرناها داخلها وهو لا يعلم المصير السيئ الذي ينتظره.
حقيقة لا أعرف ماهي المتعة في في اصطياد تلك العصافير البريئة وحرمانها من حريتها، بل وحتى قتلها وسجنها بشتى الوسائل.
واستمتاع جيلي بالطائرات الورقية التي نعملها بأنفسنا من ورق خاص وأعواد خفيفة مقوسة، ومن فوق سطح بيتنا الشعبي كنا نطلقها ونغني في براءة الأطفال يا طيارة طيري ياورق وخيطان، وترد علينا طفلة من السطح الآخر مكملة المقطع بدي أرجع بنت صغيرة على سطح الجيران، ونضحك سويًا في سعادة غامرة تطرب لها الجدران.
وكانت طائرتي الورقية تطير وتنطلق مسافة بعيدة وكل ما أخذها الريح إلى اتجاه ةتجهت معها حتى إنه كان يُخَيَّل لي أني أطير معها، وأكاد ألحق بها، وأرتفع إلى أجوائها العالية.
وكانت السينما موجودة ومنتشرة في حواري جدة وأحواشها الداخلية وسعر التذكرة لم يكن يتجاوز ريالات معدودة، وكُنّا نستمتع بالدخول إليها سقفنا كان السماء والكراسي من حديد تكّسر الظهر من صلابتها لا مكيفات ولا مؤثرات صوتية، لاشيء أبدًا سوى شخص يقف عند باب الحوش يستلم النقود وشخص فوق سقف المدخل في غرفة صغيرة يعرض الفيلم، وقد يتعطل عدة مرات وشخص يوزع قوارير بيبسي وميرندا يتعالى صوته بين الحضور بيبسي بيبسي اروي عطشك يا عطشان، وكُنّا نعتبرها من أجمل الصالات في سائر الأوطان.
ثم تطور الأمر وأصبحنا نذهب إلى صالة السينما الوحيدة المكيفة في فنادق العطاس بمنطقة (أبحر)، ونستمتع بالسباحة في مسابحه الجميلة والمختلطة التي تختلط فيها أنفاسنا ومشاعرنا وخيالاتنا وأحلامنا ومراهقتنا المبكرة.
وكان التلفزيون السعودي في ذلك الوقت تسليتنا الوحيدة، ويعرض أغاني أم كلثوم وكبار الفنانين في أمسيات فنية جميلة ورائعة تتجمع الأسرة حولها في استمتاع، وفرح كبير، وترقب لموعد البث كل ليلة خميس.
ومن أجمل الذكريات كانت زيارتنا الأسبوعية عصر الجمعة مع الأهل والأحباب إلى بحر جدة ولم يكن هناك كورنيش نستطيع الجلوس والاستمتاع فيه بالبحر بل منطقة عالية تسمى (قبة عشرة) لا أعرف حقيقة سر هذه التسمية، ولكنها كانت عبارة عن تل مرتفع يطل على البحر من بعيد يجلس الناس على مرتفعاته ويستمتعون بهواء عليل ومنظر بحري جميل، لكنه بحر بعيد لا يكاد يرى بالعين المجردة يشبه أغنية أم كلثوم بعيد عنك حياتي عذاب.
وكان أكثر مايضايقني هو طريق العودة من البحر إلى البيت؛ لأن أبي كان يصر على المرور على منطقة (باب مكة) ليشتري الأجبان، والزيتون، والحلاوة الطحينية، والعيش بأنواعه، وكان علينا أن ننتظر لساعة أو أكثر في السيارة حتى عودته.
أيام عدت وراحت ياليتها بس هدت شوية، فيها عبر وفيها صور في الذاكرة مخزنة ومخفية، وفيها شذا الورد والياسمين بالحب والطيبة مروية.
في المقالة القادمة سنبحر سويًا بحول الله إلى جزيرة (الواسطة) تلك الجزيرة الساحرة الرابضة في أجمل المناطق البحرية التي لا تبعد عن مدينة جدة سوى ساعة بالباخرة وندخل معًا إلى دهاليز وعالم مدارس الثغر تلك المدرسة النموذجية التي كانت مخصصة للطبقة المخملية من أبناء الأمراء والسفراء والتجار، وكانت من أجمل المدارس في ذلك الزمن الجميل في المنطقة الغربية، ووجدت نفسي فجاءة وسطها أدرس، وأتعلم، وأشوف دنيا جديدة ومختلفة علي.
ماشاءالله ذكريااات روعة ننتظرها دائما بفارغ الصبر جميلة جدا جدا
جميع ماذكره الكاتب هنا من ذكريات تمثل حياتي بس مادخلت السينما في حياتي وهذا هو الإختلاف بيني وبينه
??
وكانت بداية انتقالنا من مكة إلى جدة بداية مشجعة؛ حيث وجدت في المنزل الجديد الكهرباء والثلاجة والغرف الواسعة وشجرة ياسمين كانت تتوسط منزلنا الكبير وتملأه عبقًا وأنفاسًا عطرة ورائحة زكية تنعش القلب والروح.
الله كم كانت لهذة الشجرة الفاتنة من ذكريات عزيزة على قلبي أصحو على رائحة الياسمين، وأنام على رائحة الياسمين، وأقطف كل يوم ياسمينة جميلة بيضاء أهديها للمحبين.
أشكرك من أعماق قلبي
جميع ماذكره الكاتب من ذكريات تمثل حياتي بس مادخلت السينما في حياتي وهذا هو الإختلاف بيني وبينه
??
وكانت بداية انتقالنا من مكة إلى جدة بداية مشجعة؛ حيث وجدت في المنزل الجديد الكهرباء والثلاجة والغرف الواسعة وشجرة ياسمين كانت تتوسط منزلنا الكبير وتملأه عبقًا وأنفاسًا عطرة ورائحة زكية تنعش القلب والروح.
الله كم كانت لهذة الشجرة الفاتنة من ذكريات عزيزة على قلبي أصحو على رائحة الياسمين، وأنام على رائحة الياسمين، وأقطف كل يوم ياسمينة جميلة بيضاء أهديها للمحبين.
أشكرك من أعماق قلبي
تحية وتقدير لك يا كاتبنا المتميز الذي أخذنا معه في رحلة جميلة مفرداتها تنعش القلب واحداثها تبهج الفؤاد ، مقالة اكثر من رائعة لا تمل من قراءتها
المقالة قطعة ادبية رائعة من جمالها وواقعيتها وملامستها لماض جميل عاشه جيل الطيبين لا تمل قراءتها ولا تريدها ان تنتهي شكراً للكاتب وللصحيفة على هذا الابداع
أحداث وسلسلة روايات تتحدث عن حياة الكاتب بمصداقية فيها حنين وأنين حدثت على أغلب مجتمع أهل الحجاز حيث كانت الطبقة السعودية طبقة واحدة المنازل واحدة والاثاث واحد وتقريبا حتى السيارات واحدة.(لاتستطيع ان تميز بين
الان تغير الحال واصبح الفروقات واضح وظهرت الطبقات .
معلم العلوم بنظره واحدة وعقاب ظالم بعد غياب المسؤول
كان في مدارسنا معلمين أشد من معلم العلوم وتجدهم يتنقلون بين الصفوف مرة الصف الاول ثم تجده العام القادم يدرس الصف الخامس لغة عربية وبعدها الصف الرابع قران .
وكنت انتقل من مرحله لاخرى ومن حسن حظي اتجنبه حتى وصلت للصف الخامس واذا به معلم اللغة العربية
اصابني هلك شديد ورعب لازال عالقا في ذهني استمر لمدة اربعه اسابيع وبقدرة قادر يتغير هذا المعلم ليتاتي غيره كان في نظري بديله قبل ان يدرسنا مرعب مثله لكنه سبحان الله كان فقط وقت اشرافه في الفسحه اما مع طلاب هو اكثر طيب .وسلمت حتى تخرجت من المرحلة الجامعية لم اتعثر سنه واحدة
الشاهد/ماذا لو استمر المعلم المرعب طوال العام
اين ساكون اكاد اجزم انني لن اتجاوز الصف الخامس .
لانني اما ساكون مصاب باكتئاب او افصل وكم من ضحية كان سببها امثاله.