تتصاعد وتيرة العمل في أروقة وزارة الثقافة يوماً بعد آخر ، ولا أدل على ذلك من إعلان عدة خطوات متتابعة منها: تدشين مبادرة المسرح الوطني ، ثم إعلان ١١ هيئة ثقافية معنية بإدارة فروع الحقل الثقافي بمختلف مسمياته.
هذه الخطوات تجد الترحيب الواسع وتتصاعد معها آمال الوسط الثقافي بمزيد من الانطلاق والانفتاح الذي هو روح الثقافة ومحركها الرئيس.
ولأني ممن يرون أن علِّتنا الثقافية لم تكن يوماً بسبب عدم وجود هيئات للثقافة ، -رغم أهمية وجود هذه الكيانات – فالفعل الثقافي حاضر حتى في تلك الحقبة التي سبقت وجود الهيئات .
ولأن الهيئات اليوم لم تعد خياراً ولم تعد موضع سؤال وباتت حقيقة ماثلة فأنه علينا أن نقول بالضرورة إن قيامها لن يأتي بالحل السحري إلا في حالة واحدة :
حين يُسند الأمر لأهله ، وحين يتولى إدارة تلك الهيئات فريق منتخب من المهتمين والممارسين يصلون عبر الصندوق .
وحينما تدع الوزارة الخبز لخبازه ثم تراقبه لكي لايأكل نصفه أو ربعه تكون قد نأت بنفسها عن استحواذ القرار واحتكاره وستتفرغ أنذاك لمراقبة العمل .
أقول هذا ليقيني أن الوزارة مهما فعلت وبذلت لن تبلغ رضا المثقفين ، وهم فئة ذات تشعبات عديدة وستجد الهيئات والوزارة من خلفها محل لوم دائم واتهام بالتقصير والتهميش، خصوصاً إذا جرى تعيين موظفين من التنفيذيين لتولي الذين يصل إليهم العمل بحكم التسلسل الإداري والترقيات الوظيفية وهذه علّة تعاني منها الكثير من الجهات.
هنا يصبح الخوف على وزارة الثقافة والهيئات من ثقافة الوزارة أكثر مما سبق قبل وجود الهيئات . فتتحول الثقافة تحت مسطرة اللوائح والقوانين والرصد والتقنين وسيكون وضعنا السابق أفضل حين كنا بلا هيئات
وذلك لأن الثقافة لها طبيعتها الخاصة فهي تنضج أكثر في الفضاءات المفتوحة والإبداع يعلو صوته ويتجدر أكثر ويتنفس بعمق حين تقل مساحات التحفظ.
ما نخشاه حقاً على هذه الكيانات هو تولي إدارة دفتها موظف من غير أهل الصنعة ميّال إلى. تطبيق الأنظمة بحذافيرها وهذه الهيئات معرّضة لمثل هذا بكل تأكيد إلا إذا تمكنت من استقطاب المثقفين والممارسين وأصحاب التجارب الثقافية الراسخة وحوّلت تطلعاتهم ومثالياتهم إلى برامج عمل وخلقت بينهم روح تفاعل خلاق وهذا لايكون إلا عبر إسناد الأمر إليهم ليس بالتعيين والاختيار والاستشارات الفردية والفئوية ، ولكن عبر ترك الوسط الثقافي نفسه الذي عليه أن يفرز ممثليه عبر الاتنخابات ، وبالتالي تجعل من هذه الهيئات أذرع تتحرك بها الوزارة وتحركها لرسم حركة الثقافة وتحقق بها درجات أعلى من الحيوية والمسؤولية .
المهمة القادمة بعد إنشاء الهيئات سهلة وتنطوي على صعوبة والحل لهذه الأحجية، هو أن تكون الهيئات بيد المثقف وليس الموظف وأن تكون هي محصلة خيارات أهل الحقل وليس الإدارة لكي تكون الأفكار نتاج مطبخها الحقيقي وليس إعادة إنتاج مامضى.
لأن الوجهة القادمة عمل ثقافي يولد في ظروف مختلفة ويستهدف أجيالاً لها ثقافة بإيقاع مختلف يتطلب شروط الحيوية والمسؤولية ويستحضر مايشهده الوطن من تسارع وانفتاح وعصرنه