تبذل المنظَّمات الإقليميَّة والدوليَّة جهودًا ملموسةً في سبيل رعايةالأشخاص ذوي الإعاقة، وتلبية احتياجاتهم. وهوما تطمح إليه خطَّة المجتمع الدوليِّ (2030م). وتسير المملكة العربيَّة السعوديَّة في هذا الجانب بخطواتٍ ثابتةٍ تعمل فيها على وضع استراتيجيَّةٍ وطنيَّةٍ لذوي الإعاقة من خلال رؤيتها الوطنيَّة (2030م) بركائزها الثَّلاث: (مجتمع حيويّ، اقتصاد مزدهر، وطن طموح) التي نصَّت فيها على تمكين ودمج أبنائنا من ذوي الإعاقة في التَّعليم والعمل باعتبارهم عناصر فاعلة في المجتمع تحتاج إلى أخذ فرصتها.
وقد اتَّخذت الدَّولة في سبيل تحقيق رؤيتها العديد من التَّدابير التيتبلورت في القرار السَّامي القاضي بتعزيز مكانتهم في المجتمع من خلال المساواة بين جميع أفراد المجتمع كمبدأٍ أساسيٍّ بضمان المشاركة الكاملة والمتساوية للأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مجالات المجتمع، وبالتَّالي خَلْق بيئةٍ مَرِنَةٍ لهم لكسر الحواجز، وفتح الأبواب من أجل مجتمعٍ شاملٍ للجميع. ويتمثَّل ذلك في إنشاء (هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة) التَّابعة لـ (وزارة العمل والتَّنمية الاجتماعيَّة) التي تُعَدُّ هي المظلَّة والجهة المرجعيَّة لمتابعة الأنظمة والتَّشريعات والسياسات الخاصَّة بهم. كما أنَّها تقود تنفيذ خطط العمل والتَّمكين، ورفع الوعي، وتقديم الدَّعم والمشورة لضمان حصول ذوي الإعاقة على حقوقهم، وتعزيز الخدمات المقدَّمة لهم من جميع القطاعات في ظلِّ بيئةٍ آمنةٍ تضمن سلامتهم. وفي المقابل فإنَّها لم تغفل عن إلزام الهيئات والمؤسَّسات كافَّةً بأهميَّة التَّهيئة المكانيَّةللبيئةٍ التَّعليميَّةٍ والعمليَّةٍ عن طريق توفير قسمٍ مختصٍّ بسلامة ذوي الإعاقة يتكفَّل بوضع وتطبيق شروط وإجراءات السَّلامة الخاصَّة بالمباني، مع توفير جميع وسائل النَّجاة. كما يتكفَّل بإجراء الدَّورات والبرامج التَّدريبيَّة الخاصَّة بهم والمناسبة لإعاقتهم، إلى جانب التَّدريب الميدانيِّ بالتَّعاون مع: (المديريَّة العامَّة للدِّفاع المدنيِّ، الهلال الأحمر) وتطبيقه إجراءات واشتراطات السَّلامة. وكانت إحدى أهمِّ مبادراتها (مواءمة) التي تهدف إلى توفير بيئات عملٍ جاذبةٍ وشاملةٍ للأشخاص ذوي الإعاقة وفق معايير عالميَّة وذلك لدعم استقلالهم الاقتصاديِّ، واندماجهم في المجتمع. وارتباط تحقُّق ذلك باستخدام لغة الإشارة في كافَّة البرامج والحملات الإعلانيَّة التَّوعويَّة نظرًا لغياب لغة التَّواصل وبشكلٍ خاصٍّ عند فئة الصمِّ الذين يمثِّلون شريحةً كبيرةً من المجتمع السعوديِّ يبلغ عددها نحو (٢٢٩٥٤١) وفقًا لآخر إحصائيَّةٍ للهيئة العامَّة للإحصاء.
وفي ظلِّ ما نلمسه في الوقت الرَّاهن من الوعي والاهتمام المتزايد من قبل القيادات، والممارسات الإيجابيَّة، وتوفير البيئات المختلفةالدَّاعمة، والإمكانات المتاحة لمحاولة تغطية النَّقص في جانب الاهتمام بفئة الصمِّ وضِعَاف السَّمع فقد اتَّجهت (جامعة الملك عبد العزيز)ممثَّلةً في (إدارة السَّلامة والصحَّة المهنيَّة، مركز الطَّوارئوالكوارث) نحو تسخير خبراتها وتطويعها لخدمة ومساندة هذه الفئةًالتي تمثِّل جزءًا مهمًّا من رؤيتها المستقبليَّة المعنيَّة ببناء ثقافة السَّلامة والصحَّة المهنيَّة، والوقاية الفرديَّة لدى ذوي الإعاقة بما فيهم الصمّ سواءً بالإرشاد أو التَّوعية أو التَّدريب أسوةً بما تمَّ مسبقًا لفئة المكفوفين وضِعَاف البصر من إعداد وترجمة البروشورات التَّوعويَّة لـ (لغة برايل)، إلى جانب ما تمَّ تقديمه لهم من الدَّورات التَّدريبيَّة الخاصَّة بإجراءات السَّلامة والصحَّة المهنيَّة، وعمليَّات الإخلاء الافتراضيِّ في حالات الطَّوارئ؛ فجميعهم لهم حقٌّ علينا بتوعيتهم وتوجيههم بإجراءات الأمن والسَّلامة المفتَقِدَة للغة التَّواصل التي تربطهم بما يدور حولهم حتَّى فيما يتعلَّق بسلامتهم. وهو ما يُوجب مساعدتهم على تجاوز هذه التَّحدِّيات التي تعترضهم. فكانت الخطوة الأولى لتحقيق هذا الدَّعم لفئة الصمِّ هو ما قدَّمته (إدارة السَّلامة والصحَّة المهنيَّة، مركز الطَّوارئ والكوارث) من مبادرة أطلقت عليها: (ترجمة البروشورات التَّوعويَّة لإدارة السَّلامة والصحَّة المهنيَّة ومركز الطَّوارئ والكوارث للغة الإشارة) حرصًا منها على تحقيق أهداف المسؤوليَّة الاجتماعيَّة التي تسعى إلى تثبيتها باعتبارها من قطاعات الاستجابة السَّريعة المستهدفة توفير كلِّ ما بوسعها لتأمين بيئةٍ آمنةٍ لجميع أفراد المجتمع الجامعيِّ، وأيضًا باعتبارها من أوَّل الجهات المساندة لهذه الفئة لتكون على استعدادٍ للتَّصرُّف الصَّحيح في حالة الخطر؛ حيث إنَّهم يحتاجون إلى رعايةٍ خاصَّةٍ تُعوِّض القدرات الجسديَّة والصحيَّة التي لا يملكونها في تفادي المخاطر.
ونحن نأمل أن تؤتي مبادرتنا ثمارها المرجوَّة منها بإنشاء جسور التَّواصل مع فئة الصمِّ، وتقليص حجم الفجوة بينهم وبين أفراد المجتمع. وأن تكون بدايةً لجهودٍ قادمةٍ مثمرةٍ لرفع الأداء المؤسَّسيِّ لجامعتنا، وإثراءً للمجتمع ككلٍّ. فرغم الجهود المبذولة من الدَّولة في وضع اللَّوائح الخاصَّة برعاية وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة بهدف حمايتهم وتحقيق الدَّمج الاجتماعيِّ الكامل لهم إلاَّ أنَّ أوجه القصورعديدةٌ، والكثير منها يرجع إلى آليَّة تطبيق وتنفيذ العديد من القرارات،ونقص المراقبة والمتابعة للخدمات المقدَّمة لذوي الإعاقة. لذا ينبغي على الجهات الحكوميَّة والبلديَّة اتِّخاذ تدابيرٍ وإجراءاتٍ كثيرةٍ وفق ضوابط وقراراتٍ صارمةٍ لا تهاون فيها لتفعيل أبسط متطلَّبات وحقوق ذوي الإعاقة بحيث تكون مُلزِمةً لقطاعات التَّعليم والعمل، وباقي قطاعات الدَّولة باطلاع ذوي الإعاقة على اشتراطات السَّلامة المتعلِّقة بهم، وإرشادهم وتدريبهم على ذلك. إضافةً إلى التَّهيئة المكانيَّة لأبرز الأولويَّات التي يجب أن تخضع لمعايير المواءمة وفق حاجاتهم والمتمثِّلة في مراعاة المواصفات الهندسيَّة القياسيَّة التي تكفل إنشاء ممرَّات، وسلالم، ومداخل، ودورات مياه خاصَّة بهم. فلا يتمُّ إعطاء ومنح التَّراخيص إلاَّ بعد ضمان الالتزام بمعايير الموائمة لحاجات ذوي الإعاقة. وعليه يتمُّ تعديل المباني والمنشآت، والأندية، والشَّوارع، والمرور، والإسكان، ووسائل النَّقل والمواصلات، والحدائق، والمنتزهات، والمطاعم، والمؤسَّسات العامَّة والخاصَّة، والمصانع، وغيرها الكثير من متطلَّبات الحياة اليوميَّة لتسهيل عمليَّة الدَّمج والانخراط والمشاركة التِّلقائيَّة في ممارسة الحياة الطبيعيَّة مع باقي فئات المجتمع بكلِّ حريَّةٍ واستقلاليَّةٍ.
———————-
أستاذ التربية الخاصة المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز