المقالات

البصمة الوراثية…والأحكام الشرعية

لا شك أنّ مواكبة القضايا المستجدة في هذا العصر، والتطرق لها بشكلٍ علمي، والوقوف على بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بها، أمر في غاية الأهمية؛ خاصة إذا ما كانت هذه القضايا تتعلق بإثبات النسب، وليس نفيه؛ لأنّ الله عزّ وجلّ- شرع حُكم اللّعان بين الزوجين عند نفي النّسب، وفي هذا  الحُكم الرّباني مقاصد عظيمة منها:السِّتر على المرأة، وعلى ولدها، فلم يُعرف إن كانت هي الكاذب أو الزوج هو الكاذب، ولم يُعرف إن كان الولد ولده حقيقة أم لا؟

واللعّان من القضايا النادرة في المحاكم؛ لأنه  يشتمل على أيمان مُغلّظة، دائمًا ما تمنع الكثير من الأزواج عن الإقدام عن هذه الخطوة،خوفًا من عقاب الله تعالى.

أمّا إثبات النَّسب في التشريع الإسلامي فقد وُجِد دليله قبل “البصمة الوراثية” بمئات السنين، وهذا الدليل هو “الفراش” بنص قول النبي عليه الصلاة والسلام: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) ]متفق عليه[،وقد وجدنا الفقهاء يتوجهون إلى إثبات النسب عن طريق مظنته؛ وهي قيام حالة الزوجية، والتي تُجيز الاتصال بين الزوجين، غير أن إثبات هذه العلاقة الخاصة بين الزوجين (الوطء) لا يُمكن الوصول إلى أصل الحقيقة منه...”فلما وجد الفقهاء أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى أصل هذه الحقيقة (الوطء) وُجِد أنه من الطبيعي أن ينتقل الفقهاء من أصل الحقيقة إلى مجاز أقرب إلى هذه الحقيقة وهو العقد، ولو لم يمكن الوطء.

  والسبب في هذا الانتقال، طبيعة العلاقة بين الزوجين المبنيَّة على السِّر والكتمان والحياء.

ومن خلال ما سبق يتبيّن أنّ التشريع الإسلامي فرّق بين حُكم  نفي النّسب، وحُكم إثباته، ولعل هذا التفريق هو ما جعل أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي يتحفّظون على استخدامالبصمة الوراثية” في نفي النَّسب كبديل للّعان، ويُجيزون الاعتماد عليها في إثباته، وذلك في حالات مُعيّنة منها:

 أ- التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.

   ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أنابيب الأطفال.

ج- حالات ضياع الأطفال واختفائهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحرب المفقودين.

 وهذا يدفعنا للقول بأنّ البصمة الوراثية يُمكن أن تكون قرينة ًيُستعان بها على إثبات النسب، أواعتبارها طريقًا من طُرُق إثباته قياسًا على الطّرق الثابتة شرعًا، وإن كنت على يقين تام بأن البصمة الوراثية لا توازي الأدلة الشرعية أو تُقاربها من حيث الثبوت؛ لما عُلم بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة من طبٍ وغيره،يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطال بعض ما كان يُقطع بصحته علميًا، أو على الأقل أصبح مجال شك، ومحل نظر،فكم من النظريات الطبية – على وجه الخصوص كان الأطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها، ثم أصبحت تلك النظريات مع التقدم العلمي الطبي المتطور ضربًا من الخيال.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button