انهارت الهدنة بين دول أوبك والدول المنتجة خارج أوبك وعلى رأسها روسيا يوم الجمعة 6/3/2020 عندما فشلت أوبك بقيادة السعودية في التوصل إلى اتفاق مع روسيا ثاني أكبر منتج للنفط في العالم لتعميق خفض الإنتاج بهدف رفع الأسعار.
بعثت أرامكو برسالة واضحة وقوية مفادها إما يلتزم الجميع بدوره في المحافظة على استقرار السوق النفطية وتوازنها، وإلا فلتسع كل دولة للمحافظة على حصتها، وفي الاتفاقيات يجب أن تحترم الدول اتفاقياتها، صحيح أن روسيا دولة عظمى كذلك السعودية بمكانتها الدينية والاقتصادية تعتبر دولة محورية وهي تستثمر قيادتها لمجموعة العشرين فهي تمتلك أوراق اقتصادية أكبر من الأوراق الاقتصادية التي تمتلكها روسيا فهي تعطي روسيا وغيرها من الدول درسا في احترام الاتفاقيات.
أصبحت الأسعار صوب أكبر هبوط يومي في 29 عاما فقدت ثلث قيمتها في أربع جلسات انخفضت 23 في المائة في أسوأ أداء يومي تاريخيا وكان اكبر انخفاضا في 17 يناير 1991 زمن الحرب الخليجية الثانية بنحو 34.8 في المائة.
انخفض سعر النفط يوم انهيار الهدنة في يوم الجمعة نحو 9 في المائة إلى 45.27 دولار للبرميل وهي أكبر خسارة في يوم واحد خلال 11 عاما وفي اليوم التالي السبت بادرت السعودية إلى تخفيض سعر البيع الرسمي لشحنات أبريل من جميع خاماتها إلى شتى الوجهات وتعتزم رفع إنتاجها إلى 12.3 مليون برميل حفاظا على حصصها في السوق ما يعني العودة إلى حرب الحصص السوقية السابقة بين أكبر منتجي العالم مثل السعودية وروسيا ومنتجي الشرق الأوسط اندلعت بين 2014 و 2016.
تهيمن أوبك بقيادة السعودية على أكثر من 70 في المائة من احتياطيات النفط وعلى التكلفة الأقل عالميا لإنتاج كل برميل وهي بمثابة ورقة قوية بيد السعودية ولا تتبع السعودية سياسة انتهازية بل سياستها استراتيجية ثابتة وبعد اتفاق ثلاث سنوات بعدما رفضت موسكو دعم تخفيضات إنتاج أكبر لتعزيز الأسعار التي تضررت جراء تفشي فيروس كرونا.
حيث ردت أوبك بإلغاء جميع القيود على إنتاج الدول الأعضاء بها في الوقت الذي يتطلع فيه المستثمرون إلى تحفيز اقتصادي محتمل في ظل تباطؤ في حالات إصابات جديدة بكورنا في الصين، بسبب أن السعودية عملاق نفطي وهناك دراسات تؤكد أن احتياطيات السعودية الرسمية 266 مليار برميل تساوي ثلث الاحتياطي النفطي المخزون فعليا في آبارها، وهناك دراسة لباحث بجامعة هارفارد ليوناردو موغيري في عنوان دراسته ( النفط الثورة المقبلة ) والتي أرخت لوفاة الكذبة التي شغلت العالم وروجت لها الكثير من الدراسات خلال السنوات الأخيرة وهي مسألة نضوب النفط التي أطلق عليها الذروة النفطية أي ما يعني اقتراب العالم من نضوب إنتاج النفط رغم ذلك تتعامل السعودية مع الواقع وتعتبر النفط جزء لا يتجزأ من مزيج الطاقة، وهي في مرحلة تحول اقتصادي آتى أكله مما يشجعها على مواصلة سياساتها الاقتصادية بعدما بدأ الاقتصاد يتجه نحو التنوع وتقليله في الاعتماد على الدخل الآحادي على إيرادات النفط.
تسعى أرامكو بعد فشل الاتفاق نحو المحافظة على حصتها الطبيعية التي فقدتها نتيجة الاتفاق ودخلها منتجون هامشيون والأسعار الحالية لا تناسب إلا كبار المنتجين وفي مقدمتهم السعودية التي كانت تضحي بحصص في السوق من أجل إيجاد استقرار وتوازن في السوق النفطية سواء من حيث الإمدادات أو الأسعار، حيث كانت تسعى أرامكو نحو أسعار مناسبة للمنتجين والمستهلكين، وهذا كان ديدن السعودية في العقود الماضية حتى لو كان ذلك على حساب حصصها في السوق، لكن اليوم تبعث أرامكو رسالة واضحة وقوية مفادها إما يلتزم الجميع بدوره في المحافظة على استقرار السوق النفطية وتوازنها، وإلا فتسع كل دولة للمحافظة على حصته.
لن تقبل السعودية التعامل مع روسيا التي تقوم على تقلبات مزاجية لا تقوم على منطق اقتصادي باعتبارها دولة عظمى اعتادت الهيمنة لكنها تواجه دولة لها عضلات اقتصادية ولديها خبرة طويلة في التعامل مع سوق النفط وستحقق عوائد مالية على المدى البعيد، فإمدادات النفط السعودي تقفز أكثر من 25 في المائة إلى 12.3 مليون برميل يوميا في مطلع إبريل 2020، وستصبح السعودية ثاني منتج للنفط الخام بعد أمريكا حيث تنتج أمريكا 12.37 وروسيا ثالثا بنحو 10.77 مليون برميل وإذا ما أضفنا إليه 500 مليون برميل فهي أقل من السعودية بنحو مليون برميل
انهيار الأسعار سيؤدي إلى إفلاس أكثر من نصف منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة بسبب صعوبة الاستمرار في تلك البيئة السعرية في ظل استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث تبلغ التكلفة الحدية للبرميل الصخري نحو 35 دولارا للبرميل وهو ما يعني صعوبة استمرار الإنتاج بالمعطيات الحالية إلا لفترة شهور قليلة.
تحطم أسعار النفط الخام كان مفاجأة قاسية لكل أطراف الصناعة خاصة مع اشتداد أزمة تباطؤ الطلب من جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا الذي فاقم من الخسائر تعثر استمرار قيود الإنتاج، وهناك توقع إفلاس نحو 50 في المائة من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، ما يعني أن الصناعة النفطية الأمريكية قد تكون أكبر المتضررين حيث هوى سعر خام أوبك إلى 34.71 دولارا للبرميل في 9/3/2020 من 48.33 دولارا للبرميل في اليوم السابق، ما جعل الولايات المتحدة تؤجل بيع ما يصل إلى 12 مليون برميل من النفط الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بسبب هبوط سعر الخام بعدما منيت الأسعار بأكبر هبوط بعد عام 1991 لكنها تعافت من بعض الخسائر مع تركيز المستثمرين على تحفيز اقتصادي وإذا كانت روسيا تتعمد ضرب النفط الصخري بسبب الصراع البيني بينها وبين الولايات المتحدة فستكون هي المتضرر الآخر.
وهناك ربع منصات الحفر النفطي في إيران معطل عن العمل بفعل العقوبات الأمريكية وما لا يقل 40 منصة من 160 منصة حفر إيرانية لا تزال معطلة عن العمل أو قيد الإصلاح، فالعقوبات الأمريكية زادت من صعوبة وتكلفة شراء قطع غيار منصات الحفر واستيرادها
تحل روسيا سابعا باحتياطي يقدر ب80 مليار برميل وزيادة إنتاج النفط سريعا عقب انهيار اتفاق عالمي لخفضه مقيدة باختناقات في قدرات التصدير، بسبب أن هناك اختناقات في البنية التحتية للتصدير، وليس هناك الكثير من المتسع في خطوط الأنابيب لرفع الإنتاج.
حيث فقد الروبل الروسي 10 في المائة من قيمته أمام الدولار متأثرا بتراجع أسعار النفط وهي سلعة تصديرية رئيسية لروسيا ولدول أوبك حيث أصبح سعر الدولار 72 روبل في 10/3/2020 بعدما كان 66 روبل قبل أسبوع ستكون روسيا أكبر الخاسرين.
مما جعل وزير الطاقة الروسي الكساندر نوفاك في 10/3/2020 يصرح أن بلاده لا تزال منفتحة على مزيد من التعاون مع منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك لإعادة الاستقرار إلى سوق النفط، وأكد لقناة روسيا 24 التلفزيونية أود أن أقول إن الأبواب لم تغلق مضيفا أن عدم توصل روسيا إلى اتفاق مع أوبك على تمديد خفض الإنتاج لا يعني أنه لا يمكننا التعاون مستقبلا مع الدول المنضوية في أوبك وتلك التي خارجها، لكن من جهته لا يرى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الحاجة لعقد اجتماع جديد لمجموعة أوبك+ في غياب اتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع تداعيات كورونا على الطلب.
وردا على تصريحات وزير الطاقة الروسي رفض وزير الطاقة السعودي أن يكون هناك مبررا لعقد اجتماعات في مايو من شأنها فقط إظهار فشلنا في القيام باللازم في أزمة كهذه وتبني الإجراءات الضرورية، وأضاف أنه ينبغي على كل منتج الحفاظ على حصته في السوق مشيرا أنه في سوق حرة يجب أن يبدي كل منتج للنفط قدرته على المنافسة ويحافظ على حصته في السوق ويعززها.