ف_نار
لكُلِّ أمرٍ وجهان: وجهٌ إيجابيٌّ وآخرُ سلبيّ، وكذلك الأمراض والأوبئة، فمهما بدا في ظاهرها الشرّ إلا أنّنا حينما نتأمّل الأمرَ فسنخرجُ بكثير من الإيجابيات أو الدروس المستفادة. وممّا التقطته منذ بداية هذه الأزمة من إيجابيات هو تفعيل القنوات الإلكترونية في قطاعات كثيرة، وعلى رأسها التعليم، فالتعليم عن بُعد سجّل كثيراً من النقاط الإيجابية، فإضافةً إلى إلغاء المخالطة التي تُسبِّبُ انتشارَ كثير من الأمراض البدنية والأخطاء السلوكية جرّاء اليوم الدراسي الطويل، فقد قللت أيضاً الازدحام في الطرقات، ووفّرت على القطاعين العام والخاص نسبةً لا يُستهان بها من المصاريف التشغيلية، كما أن كثيراً من مواطني الدخل المحدود (وهم كثيرون) سيُوفّرون مصاريفَ الصيانة والوقود لسياراتهم، وكذلك متطلبات القرطاسية والمصاريف الدراسية واليومية لأبنائهم التي تفرضُها ضرورةُ حضورهم اليوميّ إلى المدرسة، وهذا جانبٌ اقتصاديٌّ ذو أهميةٍ كبيرة، ولا يمكنُ الاستهانة به. أمّا على المستوى الاجتماعيّ فلقد أصبح الآباءُ شركاءَ حقيقيّين في العملية التعليمية، فحينما يحضرون مع أبنائهم الدروسَ عبرَ القناة الإلكترونية فسيُسهِّلُ ذلك عليهم فهمَ ما يريدُ المُعلّمُ إيصالَهُ من معلوماتٍ إلى تلامذته، وبذلك يُمكّنهم من شرحِ ما غمضَ على أبنائهم من معلومات، كما أنّهم أصبحوا مُضطرينَ إلى مشاركة أبنائهم في حلِّ الواجبات، وهذا ما أوجدَ حالةً من التوحُّد بين المدرسة والبيت لأجل إنجاح العملية التعليمية، وقد حدث على نحوٍ لم يسبق له مثيل.
أمّا على مستوى التعليم العالي، فالطالبةُ الجامعية لمّا جلستْ في البيت، وواصلت تحصيلها الأكاديمي باستعمال أحدث وسائل التقنية، نتجَ من ذلك زيادة في عدد حضور الطالبات لأنّ منْهُنّ من أدّتْ الظروف إلى عدم قدرتها على الخروج من البيت لأسبابٍ صحيةٍ أو أُسرية، فتغلّبت على هذه المعضلة بالحضور الافتراضي، كما أنه سيتوافر للفريق الأكاديمي وقتٌ للقيام بواجباته الاجتماعية والأسرية والوظيفية التي لا يمكنهم القيام بها بسبب الدوام الرسميّ الطويل والمثقل بالأعمال التي سبَّبَ إنجازُها من البيت توفيرَ بيئة أسريةٍ مستقرةٍ طالما شغلتْ بالَ التربويين، وها هو الكورونا يعطيهم الحلّ.
وأمّا على الصعيد التربوي، فالتلميذ الذي يدرس من البيت يشعر بالاستقرار النفسيّ والعاطفيّ بسبب وجوده في حضن أسرته دون أن ينقص من تحصيله التعليميّ، لأنّ الساعات الطويلة التي كان يقضيها منفصلاً جسدياً وعقلياً ونفسياً عن أسرته ومسكنه قد استعادها لمصلحة نموّهِ العقليّ والنفسيّ، وكذلك بالحدّ من تناول الأطعمة غير المفيدة خلال يومه الدراسي سيستعيد صحته البدنية.
وحين ننظر من زاوية البناء الاجتماعي، فهذه التجربة لمّت شعث الأسرة التي تفرّقَ أفرادُها بين مدارس لا تُفرج عن طلابها إلا بعد أن تنطفئ آخر شرارة في شعلة قواهم، وبين آباء أرهقتهم الساعات الطوال لتأدية أعمالٍ أثبتت هذه التجربةُ أنه باستعمال التقنية أمكنَ إنجاز أغلب الأعمال من البيت، وكذلك عادَ الأطفالُ إلى أحضان والديهم، وأصبحنا نرى تفاعلاً وتعمّقاً في العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة الواحدة التي طالت بها القطيعة بسبب الأنظمة التقليدية في الدوام اليومي.
إنّ ما نأمله بعد انقضاء هذه الأزمة أن تُقنَّن ساعات الدوام الرسميّ في جميع القطاعات، ويبقى الحضور الافتراضيّ هو القاعدة، وما عداه استثناء حسبَ الضرورة وما تُحتّمه الظروف، فطلاب ما دون الجامعة تُخفَّض ساعات حضورهم إلى أدنى حدٍّ ممكنٍ على أن يكون حضور الأطفال من الـ9 صباحاً بما لا يزيد عن 12ساعة أسبوعياً، ويكون ذلك لحضور الأنشطة الاجتماعية والرياضية التربوية.
وللحديث بقية…