” دون أن نلتقي” ديوان شعر, صدر عام 1435هـ / 2014م للشاعر / سعيد العواجي.
ويغلب على معظم قصائد هذا الديوان – من حيث اللغة – طابع “طللي” تحكمه حالة نفسية شعرية لا شعورية , حاضرة في وجدان الشاعر وذهنه ومخيلته, وان كانت غائبة عنه على أرض الواقع الفعلي. وهي حالة شبيهة بتلك الحالة التي تعتري شعراء القصائد العربية الطللية في عهودها السابقة, لدى وقوفهم على ” الأطلال” مع اختلاف بين الحالتين: (القديمة) في واقعيتها وعمقها التراثي وزمانها ومكانها , و(الحديثة) في بعدها المعاصر والمتخيل!
ونتيجة لتمازج هاتين الحالتين في اطار واحد ينتج عنهما خلق أرضية جديدة لتشكل النص الشعري, يجمع في شكله ومضمونه ما بين الأصالة والتجديد.
أما من حيث الشكل فقد غلب على معظم قصائد المجموعة النفس “الملحمي” الطويل, اذنلاحظ أن الشاعر كثيرا ما يبحر بنا معه في تفاصيل اللحظة الشعرية , وحالتها التي يعيشها, وربما يسهب فيها, ولا يتركها أو ينتقل بنا لمعالجة ما بعدها الا بعد أن يستوفي شرحها ووصفها كاملة, وكأنه – من هذا الجانب – لا يرغب في أن تكون نصوصه أو أفكاره ذات نهايات مفتوحة, أو مختومة بوجود احتمالات معينة , تحيل قراءة النص الى تفسيرات وتأويلات شتى , مخالفة لما يقصده هو بالتحديد.
فلو استعرضنا شيئا من القصائد التي ضمها الديوان الموجود بين أيدينا الآن لوجدنا تكرارا لـ ” ثيمات” معينة أو مجموعة من الكلمات المتعلقة ببعضها , والمنتمية الى حقل واحد هو ” ثقافة الصحراء” كما عبرت عنها القصائد العربية الطللية القديمة المعروفة, مثل : الترحال, الرحيل, الراحلة, القوافل, الهودج, الحداء ,الريح, العاصفة, الصحراء, المتاهة,الرمل, الصخور ,الجبال, النخيل, السراب, الماء, الطين, الأطلال, الرماد…الخ. فجميع هذه الألفاظ أو المفردات – كما مربنا- أو ما يرادفها ويقابلها في المعنى أو الدلالة حاضرة بكثرة في البنية اللغوية للنص, وهي وان كان بعضها يتسم بـ “المعجمية ” غير أن الشاعر هنا قد وضعها في سياق جديد, أخرجها من (اطار التحنيط) المعجمي لتكون أكثر حيوية , وقدرة على الاستمرار في أداء وظيفتها المعطلة لزمن طويل, وكأنه يعيد تدويرها لإعادتهاالى مسرح الحياة من جديد , بعد أن كادت تنطمس, أو تختفي , متوارية في بطون المعاجم والقواميس , وكتب تراثنا اللغوي العربي, حين هجرتها الألسن , وفقدت قيمتها اللغوية الحقيقية وحراكها الاجتماعي في الحياة اليومية للناس في وقتنا الراهن.
وكمثال للقصائد التي جمعت بين “الطللية والملحمية” من هذا الديوان نص طللي ملحمي طويل, جاء تحت عنوان ” كما يفعل العاشقون” يقول الشاعر من ضمنه :
أحبك يا رمل عاصفة لا تمل البراكين
لا تستكين وراء الغيوم, ولا ينتهي جمرها في العروق
فهذا بلاطي اجرحيه, وهذا نخيلي اقصفيه
وكوني تراتيل وجد قديم
سأصعد محرابك المشتهى وأغني بأطلالي الجاهلية
سوف أحاكي الفراشات حين الصعود
أحاكي التفاتتها حول ضوء القناديل
ثم تعالي أعاصير ملء الرماد
خذيني الى الماء والطين/ اني أموت وراء اختبائي
يسلسلني الدمع والرمل والذكريات. الديوان: ص 23.
كتب/ حمد حميد الرشيدي