عنوان مقالي هذا لمثل دارج ومعروف لدى الغالب في مجتمعنا ومع اختلاف اللهجات فإن هذا المثل ينص على القول:
(من جاء بلا داعي جلس بلا فراش).
وأرى أن من وضع هذا المثل الرائع جدًّا قد وفق في معناه إلى حد كبير ورغم تقادمه إلا أنه يصلح لكل زمان ومكان فهو حسب وجهة نظري الشخصية يحوي قاعدة قانونية تشرع أن من يأتي بدون دعوة صريحة في أي لقاء مهما كان أهميته أو عدم الأهمية لا يعتد به.
لأنه المقصود أتى بلا دعوة من الجهة المعنية، وبالطبع سيكون غير مرحب به، وبالتالى قد يكون هذا الشخص حاضرًا كفضول، ويكون عبئًا وسلبًا لنتائج الاجتماع أو اللقاء أيًّا كان أو ربما يلغى بسببه موضوع الاجتماع إلى موعد غير معروف…
قبل بضع سنوات كنت في رحلة بحرية مع مجموعة من الزملاء الذين نشعر معهم بالانسجام، ونسعد بحضورهم فكانت رحلتنا ممتعة؛ حيث حددت مسبقًا بثلاثة أيام جهزنا خلالها مقدمًا كل ما يلزم من طعام وشراب، وفي اليوم الأول غمرتنا السعادة، وتحدثنا مع بعض بأريحية، وبدون أدنى حواجز أو رسميات فكانت البدايات جميلة ورائعة بالفعل.
في اليوم الثاني تلقى أحدنا اتصالًا من أحد أصدقائه فأخبره صاحبنا أنه في رحلة مع عدد من الزملاء حدد للمتصل الموقع وأسماء مرافقيه.
طال الحديث بينهما، وظل صاحبنا يشرح للمتصل الأجواء والسعادة بتلك الرحلة.
وفجأة كتم الصوت عن المتصل من هاتفه، وتحدث معنا بقوله ما رأيكم أن يأتي فلان فهو يريد الحضور معنا بهذه الرحلة.
التزمنا الصمت لثوانٍ، ثم كرر علينا السؤال باعتبار المتصل معه على الهاتف، ويرغب الإفصاح بحضور رفيقه من عدمه.
كانت إجابة الجميع متشابهة وغير صريحة، ويكتنفها الغموض والمجاملة بقول الجميع براحتكم.
ومن باب المودة رد عليه صاحبنا بقوله: مرحبًا بك تعال نحن نرحب بك، وفي الانتظار وسأرسل لك الموقع.
للأمانة وللإنصاف لم يكن القادم سيئًا، وإن كان البعض لا يعرفه عن قرب، ولكني رأيت البعض ممتعضًا ربما لأسباب أجهلها شخصيًا.
بعد بضع ساعات حضر ذلك الشاب، ولكنه للأسف أضاف أعباءً ثقيلة لرحلتنا بالإتيكيت والبرستيج الذي لم نعتاده نحن أبناء القرى البسطاء بطبعنا القروي الذي نفخر به، وهو يراه بنظرة مختلفة.
وصل الحد بالضيف القادم أن يصف بعضنا بالدونية والجهل فطال النقاش بينه وبين أحدنا حتى احتد كثيرًا.
من محاسن الصدف أن أحدنا متمرس للإصلاح فاستفدنا من خبرته في إخماد فتيل الجدل، وأصبحنا نتعامل مع القادم لاحقًا بحذر ورسمية حتى عدنا لمحطاتنا سالمين بفضل الله..
حدثني أحد كبار قريتنا بقوله قبل أكثر من نصف قرن حصلت مناسبة أقيمت لها وليمة لدى أحد أعيان القرية حينما أتاه ضيف، فحاول المضيف أن يختصر الوليمة بشاة صغيرة تكفي لضيفه وجيرانه ذو القرب فقط..!!
حاول المضيف إخفاء روائح الطبخ ليكون داخل البيت حتى لا يعلم عموم القرية؛ لأنه بالطبع يعزهم وليس لديه ما يكفي لهم جميعًا.
يقول محدثي بحكم قربه من المضيف فقد استشعر رائحة خيانة من قبل المضيف بعقد النية أن تكون هذه الوليمة في السر عن أعيان القرية، رغم ظهور بعض العلامات المؤكدة لدى جاره.
ولأن هذا بالطبع يكسر عوائد القرية التي اعتادوا عليها بأن كل مناسبة تقام يدعى لها الجميع لينالوا من خيرها وضيافتها جميعًا.
كان محدثي شابًا جسورًا، وذو جرأة، فاستدعى أحد زملاؤه في القرية، وأبلغه الخبر.
اتفق محدثي ورفيقه أن ينادي أحدهم سكان شمال القرية، والآخر سكان جنوبها جميعًا، وبتسم المضيف ودون علمه؛ وذلك لحضور العشاء عند المضيف؛ وكأنهما مرسولون من المضيف وبالفعل تمت الدعوة للجميع.
عقب صلاة المغرب توافد الجميع لبيت المضيف الذي بدأ أمامهم قلقًا ومهزوزًا بأن الوليمة لا تكفي لنصف الحضور، وكيف حضر هذا الجمع بدون دعوة…!!!!!
أثناء الحديث لأهل القرية بشؤونهم في مجلس المضيف المقتظ بالأنفاس أراد أحدهم أن يسجل حضوره ويدعى زايد رحمه الله، وقال:
مالي لا أرى أحدًا من آل فلان في هذا المجمع الطيب..
المضيف كتم أنفاسه قليلًا، ثم رد بغضب على سؤال زايد بمقولة أصبحت لزمة لأهل القرية من ذلك الحين حتى وقتنا الحالي حينما قال:
(حتى أنت يا زايد ما عنينا لك)
يعني من دعاك أصلًا حتى تسأل، وتقوم بالتحضير وتحصر الغياب.
وبمرح أهل القرية، وطيب سجاياهم ضحكوا جميعًا، وعرفوا السر لاحقًا ثم أعد لهم المضيف كبشًا بلا عظام من البر والسمن والعسل إلى جانب الشاة الصغيره التي سبق إعدادها ثم دامت الأفراح والليالي الملاح..
فضلًا…. تأكدوا إذا دعيتوا أنكم من المدعوين بالفعل.
بقلم:
إبراهيم العسكري.