يرى أهل التخصص أن حفظ النفس في الإسلام هو واحد من خمسة حقوق (حفظ: النفس والدين والمال والعقل والعرض) تدور حولها مقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها، هناك (إرشادات) وقائية تمنع حدوث (أو التفكير في) التعدي على النفس، وهناك (عقوبات) رادعة للمستهتر بالنفس البشرية (قتلًا أو إضرارًا حتى).
أسوق هذا التمهيد لأن المسلمين (بشكل عام) والسعودية (بشكل خاص) يستعدون لاستقبال موسم الحج في وقت يعاني (العالم) من تداعيات فيروس (كورونا المتجدد) الذي لازال علاجه (بعيد المنال حتى الآن).
خلال موسم حج 1440 هـ، بلغ عدد الحجاج تقريبًا 2.5 مليون قام على خدمتهم 350 ألف فرد، من خلال قراءة سريعة لهذا الكم البشري (المتحرك في منطقة محدودة وخلال أيام معدودة)، يتضح لنا صعوبة (إن لم يكن استحالة) تطبيق الإجراءات الاحترازية التي تنفذها وزارة الصحة منذ بدء الأزمة قبل عدة أشهر، فكيف يمكن منع المخالطة وفرض أسلوب التباعد مترًا أو نصفه أو حتى ثلثه؟! كيف يمكن التحكم في أداء طوافهم مع إصرار (بعضهم) على استلام الحجر الأسود أو التعلق بأستار الكعبة؟ كيف يمكن عزل كبار السن، وهم عادة يمثلون النسبة الأكبر من الحجاج وهم الفئة الأكثر تضررًا من كورونا بل قد يسعى بعضهم للإصابة بالمرض لاسيما وأن كثيرًا من الحجاج (بغض النظر عن العمر) يتمنون الموت في مكة المكرمة؟! إضافة لذلك، فإن تفاوت الثقافة والتعليم ومستوى التحضر في هذا الكم البشري، فهناك القادم من الشرق والغرب والأمريكتين، يجعل من الصعب السيطرة على موضوع التعقيم والسعال والاحتكاك، بل كيف يمكن إلزام هذا الحشد بتقييد حركته لساعات محدودة (فرض حظر التجول) لإجراءات التعقيم والنظافة بشكل عام، والكثير منهم لم يلتزم بقرار كهذا في بلده؟ وقد يؤدي منعه من دخول الحرم لحدوث اشتباكات مع الجهات المعنية بإدارة الحج!
أخطار القادمين من (الخارج) ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه حج هذا العام، بل هناك خطر من (الداخل) يتمثل في عشوائيات (مكة وجدة والمدينة)؛ حيث تضم كثير.ا من المقيمين (بشكل غير نظامي)، وكشفت الإجراءات التي اتخذتها الدولة مؤخرًا عن وجود إصابات بينهم، وسوف تؤدي مخالطتهم للحجيج (لقائهم بجماعتهم القادمين للحج – أو ممارسة أنشطة تجارية لبني جنسياتهم…) لانتشار الفيروس.
وبعد التصريح المرئي لمعالي وزير الحج والعمرة حول التريث في إبرام عقود الحج لهذا العام (مع تأكيده بأن السعودية على كامل الاستعداد لخدمة الحجاج والمعتمرين)، ظهرت دعوات لبعض العلماء والشيوخ، ومنهم الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى المصري للشؤون الإسلامية حول إمكانية تعطيل فريضة حج هذا العام 1441هـ وصرف نفقة الحج لسد حاجة الفقراء والمعوزين. وبقياس فريضة الحج بعبادات أخرى، فقد أباح الله للمرضى من عباده تعطيل فريضة الصوم، وأباح لعباده في ظروف معينة (برد–مطر–خوف…) تعطيل *الاجتماع اليومي* (الصلوات الخمس في المسجد) و*الاجتماع الأسبوعي* (صلاة الجمعة)، وبحسب الموقع الرسمي لدارة الملك عبد العزيز السعودية، فقد سجل التاريخ الإسلامي تعطيل *الاجتماع السنوي* (موسم الحج) 40 مرة “بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه منها: انتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص والقُطاع”.
وقد يجتمع العلماء والشيوخ (بالتنسيق بين السعودية وبقية الدول الإسلامية) لدراسة الوضع، ومن ثم الخروج بقرار إسلامي موحد لمواجهة هذا الظرف الطارئ، وهناك *(احتمال)* بأن تبادر بعض الدول (لأغراض سياسية) لعقد تحالفات للحيلولة دون صدور *(قرار إجماع)* من علماء المسلمين لإحراج السعودية وإظهارها عاجزة عن إدارة الحج، إصرار البعض (دولًا وأفرادًا) على عدم تعطيل حج هذا العام رغم الوضع الصحي في العالم (قد) يعرض الحجاج العائدين لبلادهم لإجراءات أمنية متشددة تحت ذريعة الوقاية من *(حرب بيولوجية)* ووجود بلاغات عن جماعات إرهابية متطرفة تسعى لنشر الفيروس في الغرب أو الشرق!، ولا زلنا نذكر حالة الإرباك التي حصلت في موسم الحج الماضي بسبب الترجمة الخاطئة لعدد من أكياس الجمرات التي كتب عليها (Anthrax) وتعني *(الجمرة الخبيثة)* بدلًا عن الترجمة الصحيحة لكلمة جمرات / حصى (Pebbles).
هذه المعطيات تلقي على عاتق (ولاة أمر وعلماء) المسلمين مسؤولية أمام الله ثم (العالم) بضرورة التوصل لقرار تعطيل حج عام 1441 هـ حفظًا ووقاية (للنفس البشرية) من الأمراض والأوبئة وامتثالا لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
الخاتمة:
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ).
عن أَبِي هريرة- رضي الله عنه- النَّبيّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ) رواه البخاري.
عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا) رواه مسلم.
مقال حكيم ومتزن نفع الله به
اشكرك على مرورك وتعليقك