بداية أتقدّم بالتهنئة الخالصة لقيادتنا الرشيدة بحلول شهر رمضان المعظّم، ولأبناء وطني العزيز، ولعموم المسلمين في أرجاء الدنيا، سائلًا الله العلي القدير أن يوفق الجميع فيه إلى ما يحبه ويرضاه، ويتقبل منهم الصيام والقيام، وصالح القربات والأعمال.
ولعل من نافلة القول؛ بأن إطلالة شهر الخير علينا هذا العام، غير ما ألفنا عليه في المواسم السابقة، بسبب انتشار وذيوع جائحة كورونا، التي اقتضت التدبيرات الاحترازية والوقائية منعًا للتجول، وتقييدًا في الحركة، مما جعلنا جميعًا أجلاس بيوتنا، وقرناء دورنا ومنازلنا، وعلى ما في هذا الأمر من مشقة على من اعتادوا على الحركة، وألفوا النشاط والضرب في دروب الحياة، وبخاصة في شهر رمضان الكريم، إلا أننا يجب أن ننظر إليه بمنظار إيجابي، ونعمل وفق ذلك على تكييف الوضع الحالي بصورة تعود علينا بالنفع، استثمارًا للوقت بشكل مثالي ومفيد.
فمما لا شك فيه أن في الانصياع لأوامر قيادتنا الرشيدة ومسؤولي دولتنا الفتية، وتطبيق الإجراءات والأوامر التي يصدورنها بحذافيرها أمر شرعي في المقام الأول، ووطني في المقام الثاني، وإنساني في المقام الثالث، بما يتبطّنه من احترام وتقدير للذات، وحُسن تقييمها لما ينطوي عليه خطر عدم التقيد بأمر منع التجول، والمخالطة التي تنذر بشر مستطير، ولمّا كنا نرجو القربات من الله تعالى في هذا الشهر الفضيل، فلا أقل من إطاعة ولي الأمر فيه، فإنها من القربات الكبيرة.
أما على مستوى تدبير الوقت وحُسن استغلاله، فالفرصة اليوم متاحة أمام الجميع لتغيير سلوكيات اعتادوا عليها زمنًا طويلاً.. علينا أن نجسِّر المسافة بيننا وبين أبنائنا وجميع أفراد الأسرة، وقد ظللنا لزمن نعيش في أرخبيل من جزر معزولة، يستأنس أفرادها بأطياف وأشباح العالم الافتراضي، أكثر من إيناس من يشاركهم المكان، ويقاسمهم العيش فيه.. إننا في مسيس الحاجة لأن نراجع صياغة علاقتنا بأزواجنا وبناتنا وأولادنا، لنجعلها نموذجًا للتآلف الحقيقي في شهر رمضان هذا العام، عندما تجمعنا مائدة واحدة، وعندما نؤدي صلاة التراويح معًا، بعد أن قضت الظروف بانقطاعنا عنها في المساجد، وهو أمر يحتاج إلى مغالبة للنفس، وترويض لها على التزام الجادة، وفي هذا معنى إيجابي جديد علينا.
كذلك أجد أن الوضع الحالي سيتيح لنا فرصة للانكباب على كتاب الله العزيز، بحيث نعمل على تلاوته برويّة، ودراسته بمُكث، والتمعن فيه بعين البصيرة، حيث وفرة الوقت، وخلو الذهن من العوارض والشواغل والصوارف التي أخذت عنا حياتنا في السابق، فضلًا عن السعي في وجوه الخير الأخرى، وإحياء سنة التطوع ما أمكننا ذلك، بما يسهم في حركة المجتمع من حولنا، ومشاركته الفاعلة في كل الأنشطة الإيجابية.
كذلك سنجد المتّسع من الوقت أمامنا اليوم للقراءة المتنوعة، والاستزادة من الثقافة والمعرفة والأدب، وهذه فرصة عظيمة أمام كل أصحاب المواهب الفنية والأدبية، لتخرج رؤاهم الإبداعية في أعمال نتوقع أن تثري الساحة في فترة ما بعد جائحة كورونا إن شاء الله، وفي هذا الصدد أشيد بما قامت به وزارة الثقافة بمبادراتها الخلاقة لاستثمار فترة العزلة الحالية، ومنها مبادرة “أدب العزلة”، والتي شرعتها للتنافس حول محصول القراءة اليومية، ومسابقتها “من الداخل” لأصحاب المواهب الفنية، والتي حرّكت به الساحة الفنية لإنتاج أعمال يقدّر أن تعرض في معرض بعد انجلاء أزمة كورونا..
وإجمالاً يمكننا القول بأن علينا أن نجعل هذه الفترة خصبة ومليئة بالنشاط، على عكس ما يرى فيها البعض مسرحًا للخمول والضجر والسأم، فمن المهم جدًّا أن نستشعر فيها المعاني الإيجابية الكبيرة، ونستثمرها حق الاستثمار، فغدًا تعود الحياة إلى دورانها الفوّار، ولن نجد متسعًا من الوقت كما نجده اليوم، فالفراغ نعمة، واستثماره مفيد وممتع، وكل عام وأنتم بخير.
————-
تويتر AliMelibari@