يحكى أن العزلة مؤشر مرض، ويحكى كذلك أن العزلة انكفاء يعقبه جنون، ويحكى أيضًا أن العزلة خروج عن الطبعي إلى ما سواه ولكن يحكى أيضًا أن العزلة طريق الروحانية الأول وسبيلك الوحيد إلى معرفة نفسك، ويحكى كذلك أن العزلة تعني “استعادة ضبط المصنع”، وأيا كان فنحن نعيشها اليوم كفرض مقدّر وقدر مفروض، ولا خيار لنا في أن نعيش أو لا نعيش.
كانت العزلة فيما مضى تملك سطوة على الأفراد تحت أي اعتبار، وهو أمر حتى وإن كان غير طبيعي في أصله إلا أنه معقول في حدوثه، ولا يخالف الواقع كثيرًا، ولكن تلك العزلة التي تعيشها المجتمعات والدول والقارات، ويتنفسه الاقتصاد وترعاه السياسة حتى أصبح نمط حياة وأسلوب لمصارعة العيش، ولن نخوض في الناتج وكمية الأثر فلازال المهتم يناقش هذا وكل بحسب اختصاصه، بل وربما سنعيش الأثر سنوات كثر والله المستعان.
ما يهمني هنا تلك العزلة بين الخروج عن الصحيح، ونعيم العزلة، وبين ضرورتها كطريق للبقاء وبين اعتبارها مرضًا يحتاج إلى وقفة؟
أيا كان فالناس فيما يعشقون مذاهب …..
قد يلحظ البعض ذلك الخلط الذي نعيشه في شرح المصطلح، وأن هناك فرقًا بين العزلة والوحدة، وربط العزلة بالجانب الإيجابي من ذات الوحدة في حين ربط الوحدة بسلبية الناتج والوسيلة، وهذا ما يجعلنا حقيقة نقف على جمالية ذلك النمط، وربما قد نخرج بالنهاية إلى دعوة للمصالحة مع العزلة، وربما سنقول جميعًا “المجد للعزلة”.
“اتخذ الله خليلًا واترك الناس جانبًا” هكذا نورد البعد الروحي للعزلة، وأنها السبيل بل وربما الوحيد للوصول إلى تلك الروحانية والارتباط والكشف، وهي كذلك محطة طرح خيارات السبل والتفتيش في أحقية تلك الطرق؛ ولهذا فإن المهتم بهذا الجانب لن يتباطأ في مسألة الإقرار بصلاحية المذهب وصحة الغاية، وسيجد الفلاسفة وأصحاب الصنعة يقرون بشيء من ذلك، فلن تعرف أي الطريقين حقًّا في ذلك المفترق حتى تعرف تلك السبل بمسمياتها، وبالتالي تقف على مآلاها ونهايتها وهذا لا يكون إلا باحتكار الذات لك وحصرها على نفسك، فكأنك تطرح الخيارات وهي تقوم بالدراسة أو العكس لتخرج في نهاية الأمر بتلك النتائج؛ وذلك الحكم.
ويمكننا القول إن الانسان يعيش بغيره، ويقوم على يد مجتمعه والخلطة والموالفة نمط العيش المقر سلفًا، وما خالفه يعطي نبوءة بالاختلال وعدم الاتزان، والدليل أن العزلة تأتي في كلامنا على أنها حالة غير دائمة خرجت بك من حالة دائمة، ولن يتمكن الإنسان من مشاركة الانفعال ومقاسمة الشعور مالم يعش الرفقة، وينعم بالمشاركة؛ ولذلك ومن خلال هذا لن نستغرب أن تأتي دراسة مثلًا لكي تقول إن العزلة تزيد من خطر الموت المبكر بنسبة 26%، ولن نستغرب كذلك أن تجد الإحصاءات تتراقص يمنة ويسرة لتقول إن الاختلالات النفسية والاكتئاب، وأمراض القلب وضغط الدم، واعتلالات الجهاز العصبي تعيش أكثر أمنًا في أولئك الذين يميلون للعزلة.
أياً كان فخلاصة هذا في أي مذهب تجد نفسك؟
وهنا فصل الخطاب كما يُقال.
ولكل جعلنا شرعة ومنهاجًا ولكن لا بأس أن نقول: قليل من العزلة تعني الكثير من التصحيح.
أخيرًا…. الضوضاء تصلحها بعض العزلة والوحدة نذير انعتاق عن ذلك المجتمع، وربما قد تتمنى أن تعود للرق بعد إذ نجاك الله منه.
غرد بين العزلة والوحدة عوالم تشرح لك بعض البون..
——————
@ryalhariri