شقشقات رمضانية
* حينما مرّ في أزقّة القرية، قبل فترة ليست بالطويلة، مرّ سريعاً على بيتٍ هناك، لم يكن يخشى أن تناديه ليمكث معها، فهذه أمنيته المتمسكّة بشغاف قلبه صباح مساء، لكن خشيته أنّها لم تعد موجودة هناك !
ومع الحرب المستعرة في أعماقه مابين “الألم والأمل”، ومابين الواقع والخيال، مضى سريعاً لايلوي على شيء !
منذ ذلك الحين وهو يستجدي “الأبجدية”، وكأنّما ضنّت بحروفها على قلمه، وهي التي كانت تمنحه جدائل ذهبية من حروف…
خاطبه المنزل: لازالت هنا في عملٍ دؤوبٍ منذ أن يتنفّس الصباح، وحتى موعد عسعسة الليل، حيث تبدأ السقيا بحمل “القربة” التي ينوء بحملها الرجال، من البئر البعيدة، التي توفيّت على مقربةٍ منها، صعوداً حتى منزلها المشرف على شمال وشرق القرية..
قالت له جدرانه: حتى بعد أن يمضي الهزيع الأخير من الليل، كانت في جهادٍ لايعرف الكلل والملل، تتقاسم الدفْء مع صغارها، بل تمنحه كلّه، وتسهر لراحتهم، وتنظر احتياجاتهم، فقد كانت تؤدّي الدورين معا..
حدّثه عموده الوحيد “الزافر”: أنها لازالتْ هنا تقوم بكلّ الأدوار، توجّه أبناءها للصيام وقراءة القرآن، رغم أنّها لم تكن لتقرأ حرفاً واحداً…
واصل المنزل الشعبي حديثه: أنه لازال يضمّ اجتماعهم على إفطارها، الذي لم يكن ولن يكون ألذّ وأشهى وأزكى منه…
همست إليه جدرانه: أنّها وقبل سحورها كانت هنا لك آياتٌ من القرآن تنسابُ نديّة من المذياع، لتضيء وحشة الليل، وتطمئنّ به القلوب، ليجتمعوا على مائدتها، فيلتهمون كلّ ماطبخته، ولم يكن إلا صنفاً واحداً، عن عشرات ألأصناف…
وهاهو رمضانٌ آخر يعيشه دون أمّ !
فهل جرّب أحدٌ منكم ذلك؟!
إنّ الأبجدية التي أستعصتْ بأحرفها أيّاماً، مافعلتْ إلا لهذا الموقف، فهل من أحرفٍ تُجدي؟!
أم من عباراتٍ تكفي؟!
لذا أهمس في أذن من لازال ينعم بالعيش في كنفها، من كل قلبي: أن يحمد الله، وليلزم رجليها، فثمّ الجنّة، وليعِش كل لحظة من حياته في رضاها المقترن برضا خالقه وخالقها، ذلك من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
رحم الله والديك وغفرلهم و جميع موتي المسلمين
رحم الله امواتنا جميعا
وقد يكون الفقد موجود دون موت
فها نحن الآن نفتقد كل ابناءنا واحبابنا نسمع اصواتهم من بعيد عاجزون عن احتضانهم
رحمة الله عليها
وصف عميق يلامس الواقع