حين نتعامل مع الأحداث وتكييفها، فنحن نشتت الحق معنا بين ما نقول، ويقول الآخر وواقع الحق ذاته، فالحق إما في قولنا أو في قولهم أو لا هذا ولا ذاك وإنما على رف آخر غير الذي نملك ويملكون.
هل أنت ممن يعتقد أن الحق بين تلك المقاطعات المتفرقة أم من أولئك الذين جعلوه في أرضهم، وبنوا به وعليه ولا مجال لتصور آخر غير هذا؟
لا أبرئ نفسي فحظوظ النفس حاضرة، ولكن ناقشت أحدهم ذات مرة عن موضوع خارج عن أصول المعتقد ومتباعد كثيرًا عن بحر الشبهات، ولن يؤثر الرأي فيه كثيرًا سواءً ما أرى أو ما يرى فسألني سؤالًا أيقنت بعدها أن عقلية احتكار الحق لازالت تقبع بيننا وتستحضر قنواتها كل ما دعت الحاجة: “هل أنت مسلم”؟
الحقيقة أني تركت موضوع النقاش تمامًا، وسخّرت جهدي في أن يصل إلى أن الحق بين مقاطعاته الثلاث وأنه عُرضة في أن أملكه أو يملكه أو لا نملكه كلانا، وأنه بعيدٌ هناك على رفه الموقر.
بل جاهدت في أن أناقش دون الإشارة الى امتلاك الحق، وإني أبحث فقط فكانت عليّ لا لي وأصبح يدعو بالهداية، وأني قاب قوسين الكفر وأن الشك الذي أعيشه ليس له طريق آخر سوى النار.
هكذا صنع فيمن طلب الحق مع أنى في داخلي وبقناعتي أن هذا هو عين الحق وما أدافع عنه، ولكن لعل له درجة أصح مما أراه وحقًّا أحق أن يتبع فكانت تلك الثقافة سبيل أوحد للوصول إلى النار وطريق معبد للضلالة والشرك، بل جعل تلك المساحة التي صنعتها لي وله هي من باب الشك ولو كنت على يقين مما أؤمن به لن أجد حرجًا في المحاربة من أجله، وهذا بالضبط ما لم أرد أن يفهمه.
وعلى كل حال فقد فهم ما أريد بما لا أريد ووصل بتلك الفسحة المختلقة إلى إشارة على التردي في الشك، وتساقط في الباطل.
كلنا يدعي أنه يعيش بهذه الثقافة وليتنا نقف على بعضها ويكفينا، ولكن واقعنا يأخذنا إلى مكان بعيد عما ندعيه وما أن نتناقش حتى يبين العيب ويظهر الخلل ونهدم كل ما ادعيناه سلفًا.
هل يمكننا أن نعيش ذلك الادعاء يومًا؟
نعم ونحن الآن في طور الوصول؛ لذلك بعد أن تخلخلت كثيرًا من تلك القناعات التي قضينا عمرًا في الدفاع عنها والمحاربة في صفوفها، بل وربما تتسع مساحة الاختلاف أكثر وأكثر ومع زيادة الخلاف تزداد الحاجة للاستيعاب، وهذا ما سيجعله ضرورة بقاء وسلمًا سنطالب جميعنا بوجوده حتى في صفوف من يدعي الحقيقية واحتكار الصواب.
فلسفة “الحاجة وتداعياتها” ستكون مسيطرة ربما في ظل الخلف المتواجد، وربما لن نتمكن من إيصال ما لدينا إلا بالاستماع لما لديهم، وهذا سبب وجيه في صلاحية تلك الفلسفة على جميع العقليات، فالحق الذي كان لديك لم يعد هو صاحب الميدان وبطل الساحة، بل هناك حق وأحق وصواب وأصوب، وكلها تملك صلاحية الانتشار بوجود أصحابها ومنظريها.
ولازالت الليالي حبالى بهدم الكثير والكثير وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
أقول مغردًا: “الحق الذي تدافع عنه قد يكون أول خصومك”.
0