عندما تريد الكتابة عن شخصية لها وزنها في المجتمع ومكانتها في نفسك ينتابك الخوف كثيرا ، فأما أن تكتب عنه بما يستحق ، وهذا من حقه والطبيعي كقاسم مشترك بينكما ، وأما أن تقصّر بدون قصد ، ينتابك الحزن فوق الخوف ، لأنّ هذا يحزّ في نفسك حتى وإن جاملك ، وبالتأكيد لن يلومك في هذا التقصير، ولكنّ الوسط الذي يعرفه ربّما يعتب عليك ، وبين هذا وذاك فإنّي سأقتحم أسوار فضاءات أحد أبرز رموز الإعلاميين ، الذي يعتبره الكثير شخصية متفرّدة وجدلية في تحليقه في فضاءات الكلمة المكتوبة والمنطوقة والثقافة التي تمكنً من الإمساك برسنها وقادها إلى حيثما يريد ، وطوعها لفكره وأطروحاته الأدبية والعلمية ، وقادته للشهرة التي ربما لا يريدها ، بقدر ما يريد لرسالته أن تصل في المجتمع بما تطرّق له وما سعى من أجل تحقيقه ، هذا العلم الذي سأكتب عنه هو عامل المعرفة كما يحلو له أن ينادى به ، إنّه الدكتور الكاتب الساخر المذيع الضيف ” أحمد العرفج “.
تشرفت بمعرفته قبل أكثر من عقدين في مكة المكرمة في أيام الحج عندما كنت وقتها عضو بعثة جريدة الندوة لتغطية موسم الحج ربّما ولأن المدة طالت فنسيت المكان الذي التقينا وسهرنا فيه مع بعضنا وكان برفقتنا بعض الزملاء في الجريدة ، ولأن من عادتي مع كل معارفي وأصدقائي ألّا ينقطع التواصل بيني وبينهم ، بما فيهم بعض طلابي قبل أكثر من أربعين عاماً فقد كان التواصل بيني وبين الدكتور العرفج لا ينقطع ، وزاد أكثر عندما أتاحت لنا وسائل التواصل الاجتماعي فرصة المتابعة لما ينشر ويرسل لي على الخاص كما يفعل مع محبيه ، فضلا عن متابعتي له في ” روتانا خليجية ” مذيعا أو ضيفا كما هو الحال الآن مع المذيع الشاعر الجميل ” مفرح الشقيقي ” في برنامجه المشهور ” يا هلا بالعرفج ” الذي يعتبره المشاهدون بستانا يجمع فيه الكثير من الورود والتي بعضها محفوفا بالأشواك التي يحولها العرفج بأسلوبه وابتسامته وسخريته أحيانا إلى أهداب كأهداب السجاد الفاخر ناعم الملمس .
نعود لشخصية العرفج التي يقال بأنها شخصية جدلية ، ويعود هذا إلى أنك لا تستطيع تثبيت بوصلة ركضه الثقافي في اتجاه واحد ولا تستطيع تصنيف كتاباته في مسار واحد فهو أشبه بالسيل المنقول من أعلى الجبال للسهول والوهاد الجافة فيغطيها – دونما سابق إنذار – بالمياه فيغذي ما قد تسقيه وقد تجرف أمامها أشجار وأحجار وربما من اغتر بجفافها واستوطنها ولو نزهة لوقت قصير ، هكذا هو العرفج في كتاباته التي يسطرها بشكل واسع يومي عبر عدد من المطبوعات وفي طليعتها صحيفة ” المدينة ” التي استطاع بحبره الأصفر أن يشد أنظار متابعيه وقراءه بما يتناول بالسهل الممتنع إذ لا يتكلف في طرحه للقضايا فيما يشبع الفكرة فلا يجد القارئ منفذا لأي سؤال قد يسأل وينتظر الإجابة عليه مع التزامه الشديد باللغة العربية وأحيانا ضبط مقالاته نحويا حتى يستمتع القارئ بالقراءة وقد يتعلم قواعدها أيضا .
احمد العرفج اليتيم الكاتب القارئ النهم الرياضي الهادئ المثير ومن خلال مشواره لم يتغير من حيث يتغير البعض عندما يصبح له شأن في الوسط الذي ينتمي إليه أتحدى رغم إجادته للغة الإنجليزية أن يقحمها في حديثه معك كما يفعل البعض فلا يتكلف ولا يحاول يظهر مخرجات تعليمه وثقافته التي أوصلته في الداخل والخارج إلى الكثير من القلوب المحايدة التي لا تبحث عن تصنيفات المثقفين والكتاب والشعراء والمؤلفين والمتنورين فهو يتربع في مكانة يرى أنه يستحقها كل محب وصديق من الجنسين ويكفي أن تقرأ من مؤلفاته ” المختصر من سيرة المندي المنتظر ” لتعرف ربما ثقافته الممنهجة بأسلوبه الخاص وعلى طريقته طهياً في مطبخ الصحافة والتأليف والذي يفكره القارئ سيرة ذاتية لحياته وهو ليس كذلك ، فلم يتناول سيرته التعليمية ولا المهنية ولا الحديث عن عضوياته والصحف والمجلات والقنوات الفضائية التي استقطبته ككاتب ومتحدث لبق يجيد التناول والطرح لكثير من القضايا بما فيها الخلافية ، بالذات عندما كان مذيعا، في الوقت الذي كان يخرج من هذه الخلافات ويترك الكرة في ملعب ضيوف الحلقة ، ولم يتحدث عن بيئته الأولى مدينة ” بريدة “مسقط رأسه ولا بيئته الثانية المدنية التي يعتز بها وهو أحد طلاب الجامعة الإسلامية ولا حتى خبراته المتنوعة في الداخل و الخارج ورحلاته المكوكية سواء بالزي السعودي أو بغيره وهو رحّال من بلد لآخر لكن هذا الكتاب الثالث في مواليد فكره ، لخص فيه الكثير من العادات والتقاليد والمواقف التي يصعب على غيره تناولها بالطريقة التي طرحها العرفج للقراء .
العرفج يتحدث بصدق ، ويكتب بمصداقية ، وينصح بأمانة ، وينشر بإخلاص ، ويعمل من أجل خدمة المجتمع ، وخدمة المثقفين والشباب من الجنسين ، أهداهم أفكاره الناضجة ، هداهم لرياضة المشي ، الرياضة السهلة المنسية ، وهداهم لرياضة العقل بالقراءة في الكتب الورقية سابقا ولاحقا في الإلكترونية ، هداهم للبساطة في التواصل ، والاحتفاظ بالعلاقات الجيدة النافعة ، علمهم أن إهداء الكتاب بعد طباعته خسارة ، وأنه لابد من دفع قيمته حتى لا يصبح لدى مقتنيه من سقط المتاع، للعرفج أساليب حياة تجمع بين بساطة القروي والبدوي ، وبين المتحضّر المدني ، يعطي كل ذي حقّ حقّه ، لا تأخذه لومة لائم فيما يطرح ، لكنّه يقبل الرأي والرأي الآخر ، علّم النّاس طرق السعادة ومفاهيمها ، حتى وإلّم يكن أبو سفيان يمتلكها لكنّه لا يبخل بما لديه من أساليب ، قد يصل إليها الكثير، عبر عدة طرق تتفاوت بتفاوت التعامل مع مدخلاتها ، العرفج يستطيع بدماثة خلقه أن يحول الحزن لفرح ، والشقاء إلى سعادة ، وما قد يراه الغير صعباً يحيله سهلاً ، وصفه أحد الكتاب بأنه خليفة العقاد بعد أن قرأ له سبعين كتاباً من بين تسعين ألفها العقاد ، اعتبره العرفج جامعة ،وأنه امتداد فكري وثقافي للعقاد ، وهذا لعمري جسرا قوياً عبر به إلى ما وصل إليه اليوم ، فضلا عن الكثير من المراجع والكتب العربية والأجنبية التي اطلع عليها ووظفها لصالح ما يقدم لجميع أطياف المجتمع .
ختاماً أقدم اعتذاري لأبي سفيان إن قصّرت في هذا الواجب الذي جاء متأخراً بعض الوقت .