ماهي إلا ّ أيام معدودات تفصلنا عن الثلث الأخير من رمضان المبارك، مضى منه مامضى ..
اختلفت الأجواء والحياة في رمضان هذا العام عن ما سواه في بقية الأعوام الماضية ؛ بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها قيادتنا للحد من تفشي انتشار فيروس كورونا ،واكتسب الغالبية سمات جديدة من مكوثهم بين أهلهم وروحانية شهر رمضان.!
ومع هذا الاختلاف لكل إنسان مقوماته فالبعض جعل لنفسه برامج يومية تتناسب والظروف المحيطة بنا؛ بسبب الحظر ومنع التجول ومع الطبيعة الإيمانية وحرمة هذا الشهر الكريم..!
فالبعض خصص معظم وقته بتلاوة القرآن الكريم ، أو حفظه وتأمل ما ورد فيه من الحكم والمواعظ، ومنهم من اهتم بقراءة السيرة النبوية وسيرة الصحابة -رضوان الله عليهم- التي تحمل العديد من الدروس والعبر والكنوز التي لا غنى عنها في واقعنا الاجتماعي، ومنهم من انخرط بالتسجيل في دورة تدريبية لينمي قدراته ويصقل مواهبة.!
ومنهم من رفع وتيرة الخشوع والطاعة والتعبد والتخلص من نزوات الشهوات والمعاصي ، كلهم جعلوا من رمضان سحابة صيف تأتي لتغيث صحراء النفوس من جفاف الأيام التي سبقت رمضان وبادروا إلى استدرار غيث هذه السحابة لترتوي أنفسهم، وتزهر وتثمر بعد أن تطهرت بغيث تلك السحابة بالرجوع إلى الله تعالى.!
وفي الجانب الأخر هناك من لم يحسنوا استدرارها فقد أقحطوا .. وأجدبوا …وأتخموا رمضان بالمزيد من الأكل والشرب والسهر، والتفنن في كل ما لذ وطاب من الأطباق الشهية ومتابعة الدراما الهابطة..!
هذه الفئة لم يستوعبوا الدرس وأساءت الفهم الصحيح لمعنى حظر التجول ولما لرمضان من روحانية وخشوع وانقياد وتقرب من الله بالأعمال الصالحة ، بل جعلوه شهر الأكل والسهر ليلاً والكسل والخمول والنوم نهاراً..!
أين نحن من رمضان الذي كان فيه التاريخ على موعد مع أعظم التحولات و الفتوحات التي أقامت دُولاً وأسقطت أخرى .. حيث كان فيه المسلمون الصائمون جوعى إلى الجهاد والفتوحات ومتشبعين بالانتصار والعزيمة..!
وغيرهم صائمين متخمين بالانكسار والفرار، متشبعين بالذل والهزيمة..!
فبقي الآن أن نعرف، ماذا اعددنا وكيف سنختم شهر رمضان ؟
هل سنفطم أنفسنا عن براثن ونزغات النفس ونستجيب لما تبقى من أيام الصيام ؟
ام أننا سنبقى نرضع المعاصي فوق ما رضعنا سابقاً… ونتناسى ما لرمضان من روحانية و فضائل عدة يعجز الإنسان عن حصرها وعدها في مثل هذا المقال.
أم سنكتفي بمتابعة تلك القنوات الفضائية عن كثب وما تقدمه من الإبداع الدرامي ..!
أ هكذا يجب أن نعيش ماتبقى من رمضان.. !؟
أ هكذا نرى خصوصية رمضان ونقيس نجاحنا في اختبار هذا الشهر بنجاح وتميز برامجه الدرامية التي تعرض فيه في ظل ما تقدمه الكثير من القنوات الفضائية المتراكضة للفوز بأعجاب مشاهدها، الصائم في النهار والمتحايل في الليل…!!
إذا لم نعرف كيف نعيش رمضان في ظل الحجر والمكوث بالمنزل فلن يصل بنا الشعور بخلجات النفس حيث الأحساس بالفقراء والشعور بالذنب تجاه التقصير أمام الله، وتذكير أنفسنا وأبناءنا بعذاب الله وما أعده لكل من عصاه واستكبر ،ولن ننال خير الفرصة بالخشوع والانقياد للفوز بوعد الله ، ولن نتمكن من الوقوف وقفة الإنسانية مع ذواتنا وإصلاح ما بها من عيب ونقص..!
هكذا هي ايام رمضان التي ينبغي ان نعيشها…
يجب أن نحدد أين نحن من رمضان ..؟
ليكن شعارنا هذه السنه مختلفاً :
لا (رمضان و دراما الفضائيات) الذي ما أن ينقضي حتى نبدأ بالندم على كل لحظة من اللحظات التي مرت بنا فيه لأننا لم نقم به على أكمل وجه، فينطبق علينا قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- : “رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش”.
أخيرًا ليتنا نتذكر على مائدة الأفطار ونوحد الدعاء بأن يجلي الله هذه الغمة، ولا ننسى أمواتنا ومرضانا… وأخواننا المرابطين على الحدود قبل أن نبادر إلى القنوات الفضائية حتى لاتفوتنا كل شاردة وواردة ..!
اللهمّ أجعلنا ممن شملتهم الرحمة بأولة وتشملهم المغفرة بأوسطه والعتق من النار في أخره.
و تذكروا… اللهمّ اني صائم …!