الشتائم المتبادلة بين بعض الفلسطينيين والسعوديين في تويتر والفيسبوك مقلقة ومزعجة للغاية، لكن علينا أن لا ننسى أن فلسطين تم احتلالها عام ١٩٤٨ أي منذ ٧٢ سنة بالتمام والكمال، وهي فترة كافية لخلق حالة من التبرم واليأس عند الجميع، وأولهم بالطبع الفلسطينيون بحكم أنه لم يتم إنجاز أي شيء يذكر في القضية الفلسطينية لصالح إنهائها بطريقة عادلة تضمن حقوق الفلسطينيين وعودة المهجرين منهم.
وللإنصاف فإنه وخلال فترة ال ٧٢ سنة تم دعم الفلسطينيين، ولم تتوانَ المملكة عن تقديم الدعم اللازم للشعب الفلسطيني سواء داخل أراضيهم، أو في المحافل الدولية سياسيًّا وماليًّا وعلى كافة المستويات، بل إن دعم المملكة هو الأكثر مقارنة بالأنظمة “الثورية” التي صدعت رؤوسنا بالحق الفلسطيني دون أن تقدم للفلسطينيين ربع ما قدمنا.
ومع ذلك يتم بمناسبة وبلا مناسبة نسيان دور المملكة وجهودها؛ ليصار إلى تمجيد الأنظمة “الثورية” فقط؛ لأنها تستخدم لغة إعلامية خشبية عفا عليها الزمن تدغدغ المشاعر ولاتقدم شيئًا أكثر من الخطابة والأناشيد التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ في حين أنه يتم شتم السعودية من منابر المساجد في غزة وفي وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الرسمية، وفي المظاهرات التي يتم فيها سب رموز المملكة؛ وكأن المملكة هي المسؤولة عن كل هذا البؤس الذي يعاني منه الفلسطيني.
الشتّامون في الجانب الفلسطيني يتناسون الانشقاق بين السلطة في الضفة الغربية وحماس في غزة، ويلقون باللائمة على غيرهم، في حين أن المملكة قالت وتقول دائمًا إنها مع الحق الفلسطيني ومع ما يقرره الفلسطينيون لأنفسهم.
الشتامون أيضًا لايرون الخمسين مليون دولار من المملكة التي تذهب كل شهر إلى السلطة في رام الله.
وحتى نواجه الحقيقة المرة؛ فالعرب لا يستطيعون دخول حرب مع إسرائيل، ولا يستطيعون بذات الوقت عقد سلام معها؛ لأنه سيكون سلامًا منقوصًا لا أحد يريد تحمل تبعاته؛ بسبب قضية القدس التي يتمسك بها الطرفان. والقدس كما هو معروف مثقلة بالبُعد الديني عند الطرفين ولا أحد يريد التنازل عن حقه فيها وهي معضلة للجميع.
كيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق؟
بالطبع لايوجد حل، وكل ما يدعو له “عقلاء العرب” هو ضرورة الالتزام بحالة اللاسلم واللاحرب مؤقتًا بحجة أن الظروف قد تتغير لصالح الحق الفلسطيني يومًا ما؛ وهو التزام كلفنا وكلف الفلسطينيين الكثير بسبب المتاجرة بقضيتهم، ومن جميع الأطراف بما في ذلك الفلسطينيون أنفسهم. هذا الخيار الهلامي مأزق بحد ذاته؛ لأنه ببساطة هروب من مواجهة حقيقة العجز العربي، بل إنه ودون مواربة حيلة العاجز الذي يميل للتسويف دون أن يكون لديه خطة واضحة للمستقبل.
ماهو واضح جدًّا اليوم أن العرب لم يتغيروا كثيرًا ليصبحوا قوة تفرض شروطها على أعدائها الذين كثروا في العقود الأخيرة، بل إن بعض الدول العربية أصبحت تعاني كثيرًا سواء من توترات داخلية وحروب أهلية (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا) أو تشظي داخلي كما حصل في السودان والصومال واليمن. إضافة إلى الدول التي تُعاني من توترات مزمنة حتى وإن اتسمت ببعض الاستقرار الظاهر (لبنان بطائفيته، والمغرب بقضية صحراءه كنموذجين).
وبما أن الحال كذلك فإن هذا يعني صعوبة قيام الدول العربية بأي عمل جماعي ينهي المشكل الفلسطيني بطريقة مقبولة ومرضية للجميع، ويضع حدًّا لهذه القضية التي استنزفت الجهد العربي سواء أكانت حربًا أو سلامًا. لا ننسى أن جميع القوى العالمية الفاعلة في السياسة الدولية لن تقبل بأي تهديد وجودي لإسرائيل، ولن تتوانى عن دعمها إذا ما شعرت إسرائيل بالخطر.
ما العمل والحال كذلك؟
الحل يبدأ من الفلسطينيين أنفسهم باختيارهم أسلوب “مقاومة” دون تدخل من الدول العربية، ويتم ذلك من خلال الخيارات أو النماذج التالية:
١- نموذج المهاتما غاندي (اللاعنف) ومقاطعة البضائع الإسرائيلية وعدم العمل في المنشآت الإسرائيلية، واكتفاء الفلسطينيين بما ينتجون مهما كان قليلًا.
٢- نموذج الفايتكونج (الفيتناميون)، وهو الكفاح المسلح بكل ماهو متاح للفلسطينيين من أدوات وأسلحة مهما كانت بسيطة.
٣- نموذج السود في جنوب أفريقيا، والذي يشمل (المظاهرات والعمل الدبلوماسي لشرح أبعاد قضيتهم للعالم).
ويمكن للفلسطينيين دمج بعض هذه النماذج للخروج بنموذج مقاومة خاص بهم، على أن تبدأ مقاومتهم من الضفة الغربية وليس من غزة؛ فالأخيرة تعد جبهة مشتعلة ومقلقة للإسرائيليين، وفتح جبهتين (في الضفة وغزة) سيخلق وضعًا مقلقًا لإسرائيل لا تستطيع تحمله لفترة تزيد عن سنتين أو ثلاث بالكثير.
مثل هذه المقاومة هي ما ستقود إلى مفاوضات، وعندها يستطيع الفلسطينيون الحصول على الكثير من حقوقهم التي ضاع معظمها في مزادات السياسة والمناكفات التي لم تؤدِ إلى نتيجة عدا المرارات والأحقاد وتفجير العالم العربي من داخله، وإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذلك، ومن ذلك قاموس الشتائم الذي لن يقدم أو يؤخر.
فيا عرب ارفعوا أيديكم عن فلسطين ودعوهم يعملون بمفردهم؛ فهذا هو الأسلوب الوحيد والمقبول في ظل العجز الواضح عن حل قضية الفلسطينيين، ومن ثم تفرغوا لتنمية بلدانكم إن كان لديكم طاقة كافية للقيام بذلك.