عبدالرحمن العامري

النكاسة والتعافي من الانتكاسة

تعد مكة المكرمة من أكثر المدن التي تُعاني من مشكلة الأحياء العشوائية، فقد انتشرت وبشكل كبير في الأودية والشعاب فأدت هذه العشوائيات إلى ظهور كثير من السلبيات الاجتماعية، والاقتصادية، والعمرانية، والأمنية، وهنا سأتطرق إلى حي من أحياء مكة المكرمة له إطلالة على الحرم المكي من الناحية الجنوبية، والذي ذاع صيته منذ ظهور جائحة كورونا ( كوفيد ١٩) نظرًا لاعتباره أحد بؤر انتشار هذا الفيروس لما يعانيه من تكدس بشري وتشوه بصري.

وفي رحلة البحث عن سبب تسميته بهذا الاسم نجد أن الروايات قد اختلفت؛ حيث تحدث عنها بعض المؤرخين فمنهم من أرجع هذه التسمية إلى قصة قديمة؛ حيث تدور أحداثها حول عمال نظافة كانوا يحملون النفايات في عربات (الكرو)، ويذهبون بها إلى ذلك الجبل أو ما كان يسمى بالقوز، حيث ينكسون عرباتهم على قمته ليخرجوا ما حملته عرباتهم من مخلفات، في حين ذهب آخرون إلى أن العامة استبدلت المسمى الأصلي لتشتق منه المسمى المتداول حاليًّا، فقد كان يطلق عليه (قوز المكاسة) حيث تعود التسمية لرجل كان يسكن بجوار كدي وتؤخذ عنده المكوس من حجاج اليمن إذ كان هناك ممر يدخل منه التجار القادمون من اليمن، ويتم جمع الضرائب منهم في ذلك المكان الذي حور اسمه بعد ذلك إلى النكاسة.
وأيًا كانت الرواية الصحيحة؛ فإنه عند الرجوع إلى قواميس اللغة لمعرفة معنى الانتكاس فإننا نجد أن لها معانًا ودلالات كثيرة منها أن كلمة انتكاسة اسم مصدر من انتكس وانتكاسة المريض: معاودته المرض، وقد تدل على حالة من حالات الإحباط فكلما نهض من انتكاسة داهمته انتكاسة أخرى.
وبعد كل هذه المقدمة الطللية عن هذا النموذج من الأحياء العشوائية ونتيجة لطبيعته الجغرافية، وتركيبته السكانية من الجنسيتين البنغلاديشية والبورمية وعند إسقاط هذا التعريف اللغوي لمفردة انتكاسة على ما يشاهد في هذا الحي من العجب العجاب من الممارسات الخاطئة من معظم من يسكن هذا الحي وتفشي الجرائم بمختلف أنواعها، والتي أدى تراكمها إلى زيادتها وخروجها عن المألوف.
ومن خلال ما شاهدناه في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من إزالة لمعظم منازل حي النكاسة بعد صدور أوامر مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وبتوجيهات من قادة هذا البلد المعطاء -حفظهم الله- من تسريع لعمليات تصحيح أوضاع جميع الأحياء العشوائية، ومنها حي النكاسة؛ فقد بدأت ملامح وجه ذلك الجبل تظهر مرة آخرى؛ وكأن تلك البلدوزرات مشرط جراح عمليات تجميل سيعيد لهذا الحي جماله، ويخلص أعيننا من ذلك التشوه البصري الذي يمتد على تلك القمة، وهي بشرى بتعافي حي النكاسة من تلك الانتكاسة التي أصابته طوال تلك السنون الماضية.

Related Articles

One Comment

  1. مقال جدا رائع سلمت أياديك الفنيه المبدعه . قلمك مميز عزيز واخي الغالي ابو احمد موفق ????

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button