وإذا تكون كريهة أدعى لهـــا
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
ولجندب سهل البلاد وعذبـها
ولي الملاح وخبتهن المجدب
والحَيْس هو الأقط يخلط بالتمر والسمن. وقصة هذه الأبيات أن الشاعر كان له أخ غير شقيق يدعى جندب، وكان إذا كانت الحرب والمكاره دُفِع به إليها، وإذا كانت المسرات والمكارم دُعي إليها أخوه جندب على مرأى منه ومسمع. وقد تبادرت إلى ذهني هذه الأبيات، وأنا أرى وأسمع عن حال الكثير من العاملين الأكفياء في المؤسسات بصورة عامة وموظفي الأجهزة الحكومية على وجه الخصوص، وما يعانيه هؤلاء الموظفين من سوء في التعامل وضياع لحقوقهم؛ حيث يتم تكليفهم بالمهام الأكثر صعوبة والأكبر مشقة وعندما يريد أحدهم أن يطور قدراته من خلال الالتحاق بدورة تدريبية فيتم رفض طلبه بحجة عدم إمكانية الاستغناء عنه؛ كون العمل يعتمد عليه، ومن الصعوبة بمكان تحمل فترة غيابه عن العمل خلال أيام هذه الدورة خوفًا من تأخير المعاملات وتعطل مصالح الناس، وإذا رغب أحدهم أن يأخذ قسطًا من الراحة، ويستمتع بإجازته السنوية فتوضع أمامه العقبات بحجة ضغط العمل الحالي، وأن من الأفضل تأجيل الإجازة لوقت أخر، بينما على النقيض تمامًا نجد السيد جندب تحل عليه البركات والمكرمات بدءًا بالتماس العذر له وعدم تكليفه إلا بالقليل والسهل من المهام بحجة قدراته البسيطة فلا يعطى من الأعمال إلا ما يناسب هذه القدرات، ولا يحضر للعمل إلا متأخرًا، بينما تجده أول المغادرين، ويكتفي ببعض ساعات العمل التي يتكرم بها على إدارته.
وقد نتفق جميعًا على أن من الطبيعي أن تكون هناك فروقات فردية في قدرات الموظفين، وما يمتلكون من إمكانيات فالمولى -عزل وجل- قد وزع هذه القدرات بحكمته وعلى المسؤول وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لإمكاناته، فالأهم بالنسبة لنا هو تحقيق الصالح العام، والمحافظة على سير العمل بصورة سليمة ولا توجد مشكلة في هذا الأمر! ولكن المشكلة تظهر حينما يحاس الحيس، وتأتي الدورات التدريبية وخارج الدوم والانتدابات والترقيات وغيرها من الحوافز المادية والمعنوية أو عند تحديد أوقات الإجازة للموظفين؛ فحينها نرى السيد جندب يتصدر المشهد وينافس بقوة، بل وفي الكثير من المؤسسات تجده يتقدم على الجميع، ويحصل على الحيس كاملًا والبقية الكادحة تتفرج وتتحسر!
وتتجلى خطورة هذا التعامل السلبي تجاه الموظفين الأكفياء عندما تأتي النتائج عكسية أما بفقدان الموظف الكفء؛ حيث من الطبيعي وفي ظل هذا التعامل السيئ من قبل الإدارة أن نجد زيادة نسبة تسرب الموظفين أصحاب الكفاءة إلى إدارات أو مؤسسات أخرى رغبة في البحث عن بيئة عمل جيدة يتم فيها تقدير جهودهم وإتاجيتهم العالية، وبالتالي يتحصلون على حقوقهم التي حرموا منها في الإدارة الجندبية.
والأمر الأكثر خطورة أنه في حالة عدم تمكن الموظف الكفء من الحصول على فرصة عمل أفضل في مكان آخر فمن الطبيعي أن تنخفض الروح المعنوية لديه، ويبدأ بالتكاسل في العمل مما يؤدي إلى تدني إنتاجيته وبذلك يصبح لدينا في كل إدارة مجموعة من الجنادبة بدلاً من جندب واحد.
——————————————–
* عضو هيئة تدريب بمعهد الإدارة العامة
لا فض فوك
مقال أكثر من رائع دكتور عبدالله ، يحكي كثير من الواقع
ما أروع قلمك دكتور عبدالله كلام في الصميم وما أكثر الجنادبه
قرأت وامتعتنا بما كتبت وكانك تحكي حالنا في القطاع الحكومي وبالذات موظفين المراتب . شكرا دكتور عبدالله وانت تصل صوتنا جمل الله حالك