رغم ما واكب الثورة التكنولوجية/المعلوماتية من تطور في مختلف المجالات، وما أحدثته من طفرة في مجال الانتاج والاتصالات في إطار العولمة، فإن جائحة كورونا قد كشفت عن هشاشة التكتلات الاقتصادية، وعجز الإنسان أمام فيروس كوفيد 19من جهة، وعن القيمة المضافة لكل مجتمع أو فرد من جهة ثانية، كما أن للجائحة ما بعدها خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
إن المتتبع لتاريخ الأوبئة يجدها ملازمة للمجاعات في فترات متعدد من تاريخ البشرية، أما اليوم فالعالم، في ظل جائحة كورونا، يعيش بين رعب كوفيد 19 وهاجس الخوف من المجاعة. لقد قضى الوباء على الآلاف من البشر وأرغم الملايين على لزوم بيوتهم كما عطل أنشطتهم، وبما أن زوال وباء كورونا أو إيجاد لقاح له أمر قد يطول، فالإنسان أمام خيارين أحلى هما مر: إما الاستمرار في الحِجر الصحي، وما سيترتب عنه من توقف للإنتاج وبالتالي يصبح اقتران الوباء بالمجاعة واردًا جدًّا، أو الخروج لمزاولة أنشطته مع الإصابة المحتملة بكوفيد19. المؤكد أن فطرة الإنسان لا تسمح له بالغرق دون مقاومة، فما عليه، بعد الحِجر الصحي، إلا الاستمرار في الحياة مع التزام الوقاية ومسافة الأمان حتى لا نجهز على ما أنجز.
يذهب العديد من المحللين والباحثين إلى أن جائحة كورونا كوفيد 19 ستحدث تحولًا على مستوى موازن القوى الاقتصادية، لكن لا يجب أن يذهب بنا الخيال بعيدًا، ونتصور أننا بعد الحِجر الصحي سنجد دول الجنوب تتموقع مكان دول الشمال. فمختلف الدول تعيش تحت وطأة الجائحة بما فيها دول الجنوب، كما أن اقتصاد هذه الأخيرة، مع اختلاف مرجعياتها بما فيها الصين، يدور في فلك الاقتصاد الغربي على المستوى المنظور بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول تضررًا. فرغم حفاظ الصين على الأيدلوجية الاشتراكية على المستوى السياسي، فإنها انفتحت على اقتصاد السوق منذ ثمانينيات القرن 20م، الأمر الذي فتح السوق الصيني أما الشركات الغربية، فقد نجد في السوق منتوج كتب عليه صنع بالصين made in china لكن العلامة التجارية “hp” الألمانية. صحيح أن الاقتصاديات الغربية قد تضررت بشكل كبير، فالسقوط من أعلى يؤلم كثيرًا وله مضاعفات؛ لكن حكومات هذه الدول المتضرر قادرة على الإنفاق وعلى تعويض خسارتها، ولو على حساب دول الجنوب المدينة في معظمها لدول الشمال والمؤسسات المالية، أما الخسائر البشرية فاليد العاملة النشيطة بدول الجنوب لا زالت تتطلع إلى الضفة الشمالية من الكرة الأرضية، وهذا لا يعني أن دول الجنوب لا تمتلك القدر على الانعتاق من التبعية إذا أخذت بعين الاعتبار أهمية العنصر البشري وتوفرت الإرادة السياسية؛ فكورونا ومضة من الزمن قد تكون بداية الانطلاق.
————-
أستاذ باحث (المغرب)