الوزير كلمة مشتقة من الوزر، أي الثقل لأن الوزير يحمل أعباء ما يكلف به، وقيل إن أول من لقب بوزير في الإسلام هو أبو سلمة الخلال-حفص بن سليمان- (ت ١٣٢هجري) في العصر العباسي، والوزراء في كل العصور غالبًا هم جامعون لخصال الخير، أحكمتهم التجارب، وهذبتهم المعارف، يملكون قلوب العامة بخلابة ألسنتهم وحسن إدارتهم، وعمل الوزير غاية في الدقة والتنظيم والاستغراق في العمل لساعات طويلة ويُقال: إن الوزير صاعد ابن مخلد (ت٢٧٥ هجرية) كان يقوم الليل، ويصلي الصبح في جماعة، ثم يذهب إلى دار الخلافة، ثم يعود إلى منزله وينظر حوائج الناس إلى الظهر، ثم يجلس بالعشي فينظر شؤون الوزارة إلى العشاء الأخير.
ويروى أن وزيرًا له مكانة سامقة في التاريخ، وهو ابن العميد علي بن محمد (ت٣٦٠هجرية) الذي لقبه الخليفة (بذي الكفايتين) السيف والقلم، أي السياسة والحرب، كان بارعًا في الكتابة، واشتهر بأسلوبه الفريد في الكتابة، قال فيه الثعالبي: “ابتدأت الكتابة بابن الحميد وانتهت بابن العميد”، أما الوزير الذي سطر التاريخ أعماله هو الحاجب – أي رئيس الوزراء- محمد بن عبد الله المعروف بالمنصور بن أبي عامر في العصر الأندلسي، الذي كان ذكيًّا ومن الموهوبين، لم يكن نمطيًّا في حركته، غزا مملكة ليون بنفسه عام (٣٧٣ هجرية)، وفتح برشلونة عام (٣٧٤هجرية)، وضم بلاد المغرب العربي عام (٣٨٦هجرية)، وشهدت دولة الأندلس في عهده أكبر توسع على الإطلاق، والتاريخ مليء بذكر الوزراء الكبار الذين كانوا مدارس مستقلة في الأداء وتحملوا أوزارًا ثقيلة، وكان لهم دور كبير في المحافظة على الدولة وبقاء هيبتها واستقرارها، وعلى هامش الحديث عن الوزراء البارزين في وزارتهم في كل عصر، أود أن أذكر وزيرًا يشرفني الحديث عنه، هو معالي الوزير الدكتورعبد العزيز الخويطر- رحمه الله-، كان صاحبًا لوالدي -رحمه الله- الذي عمل مديرًا لهواتف القصور الملكية بمكة المكرمة، فقد كان والدي يروي لي مواقف جليلة، وخصال حميدة لمعاليه، وأتذكر موقفًا لي معه عندما زرته مع والدي في مكتبه بالطائف؛ حيث كلفني معاليه بكتابة خطاب في موضوع ما دون مساعدة والدي فذهبت لمدير مكتبه الأستاذ الحمدان- على ما أذكر- وقلت له: إن الوزير كلفني بكتابة خطاب بخط يدي دون ان أستعين بأحد فأعطى لي الورقة واستغرقت وقتافي كتابة الخطاب، وغيرت النسخة أكثر من مرة إلى أن استقر الخطاب على ما رأيته وافيًّا للموضوع، فذهبت إليه مرة أخرى فضحك وقال: كل هذا الوقت في خطاب، ثم سألت والدي بعد ذلك عن سبب تصرف الوزير وإصراره على كتابة الخطاب بخط يدي فقال لي: كنت قد حدثته عنك من قبل فأراد أن يعرف مستوى ثقافتك، وهذا يشير إلى واسع حكمته وأدب استقصاءه، هذا الوزير المحنك يكفي أن أنقل لكم ما قاله الملك فيصل – رحمه الله – عنه “الخويطر ثروة وطنية لا تفرطوا فيه”، وما يؤكد ذلك مسيرته في العطاء في عدد من الوزارات اهمها التعليم، ويكفي ما قدمه للتعليم من ثروة في تأليفه تلك المجلدات الخمس “أي بني” التي وضع فيها عصارة تجاربه، أما الجانب الإعلامي له، فكان يتواصل مع محبيه ومجتمعه من خلال الصحافة وكتب فيها ادبيات متنوعة ومواقف غاية في الروعة، وتشرفت ذات يوم بكتابة مقال في صحيفة كان يكتب فيها، فسعدت كثيرًا بفرصة مجاورة جهابذة الكتاب في تلك الفترة والتعلم منهم، وختام القول وللإنصاف يجب ألا ننسى وزراء مملكتنا الحبيبة، فهم لايقلون مقامًا وشأنًا عن السابقين، وسيذكرهم التاريخ، ويخلد اعمالهم بعد أن كشفت لنا الأزمة العالمية للوباء علو مقامهم وحسن إدارتهم والتنظيم الدقيق المتناغم مع بعضهم البعض في إدارة الجائحة، والذي حاز على تقدير كبير من الجميع، ولا غرابة في ذلك لأن ورائهم إمام الوزراء سيدي خادم الحرمين الشريفن الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله-، وسيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان سدد الله خطاه.