تتعرض المملكة لحملة تحريض كبيرة عبر قنوات إعلامية موجهة ومواقع التواصل الاجتماعي تستهدف أمنها واستقرارها تنفيذًا لأجندات خارجية تسعى إلى النيل من المكانة التي وصلت إليها دوليًا وإقليميًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
وفي هذا الشأن، تستطلع صحيفة “مكة” الإلكترونية آراء أكاديميين متخصصين للتعرف على طرق المواجهة والتصدي لهذه الحملات المغرضة ودور وسائل الإعلام الحديثة والصحافة الإلكترونية على وجه الخصوص.
وفي البداية، قال الأكاديمي المتخصص في الإعلام الجديد الدكتور علي الضميان العنزي، إن الصحف الإلكترونية لا تقل أهمية عن الصحف الورقية بل إن الصحف الورقية تعتمد الآن على نسختها الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي.
وأضاف العنزي “من هذا المنطلق فإن الصحف الإلكترونية تستطيع أن تساهم بالتصدي للحملات المغرضة عبر صناعة محتوى إعلامي رصين ومواكب للحدث، لا بد من إنتاج مواد إعلامية متنوعة بين الانفوجرافيك والموشنجرافيك والأهم فيديوهات قصيرة على شكل تقارير مصورة أو معلومات موجهة أو مواد إبداعية”.
وأوضح أن “لدى الشباب القدرة على التعامل مع التقنية وإنتاج مواد إبداعية متنوعة وهم صوت هذا العصر”، لافتا إلى أن “الشباب هم من يدافعون عن الوطن وقوام الجيش الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي”.
واقترح أن تكون هناك مساحة لإبداعاتهم في كل الصحف الإلكترونية بل ومواقع الصحف الورقية وحتى القنوات والإذاعات الرسمية، موضحًا أنهم فقط يحتاجون للتشجيع واحتضان مواهبهم.
واختتم العنزي حديثه، بالقول إن “الصحافة الإلكترونية، لديها فرصة للمنافسة. ولا يوجد مجال للمنافسة أفضل من الدفاع عن الوطن. ونصيحتي ألا ينتظروا الدعم من أحد بقدر ما يسعون إلى الوصول الحقيقي للمتلقي. في الإعلام المهم وصول الرسالة ذات المحتوى المؤثر للجمهور بغض النظر عن المرسل.
ومن جانبه، قال أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أ.د.محمد بن سليمان الصبيحي، إن البيئة الاتصالية الحديثة بخصائصها الرقمية المتعددة مكنت من توفير مناخ اتصالي مفتوح، أحدث تغيرات مفصلية في العملية الإعلامية أعادت النظر في كثير من المفاهيم المهنية لتتوافق مع هذه المتغيرات، وتستجيب في الوقت نفسه لمتطلبات المرحلة الحالية للممارسة الإعلامية بمفهومها الرقمي.
وأوضح الصبيحي، لـ“مكة” الإلكترونية، أن الصحافة الإلكترونية أحد أهم منصات البيئة الرقمية التي يمكن من خلالها أداء الوظائف الإعلام بصورة مؤسسية وبمنهجية مهنية احترافية، وهي بلا شك بيئة خصبة ومجال مهم لأداء إعلامي يمكن توظيفه ذراعاً إعلامية قوية، ليس فقط لصد الحملات الإعلامية المغرضة ضد السعودية، ولكن ذراعاً إعلامية تبرز الصورة الحقيقة للسعودية، وتسهم في الوقت نفسه بمواجهة الحملات المضادة بمهنية عملية غير مباشرة بعيداً عن السجالات الإعلامية التي ربما أفسدت في سياق الإصلاح.
وأشار إلى أن التحديات التي أفرزتها البيئة الرقمية نتيجة لخصائصها ومتغيراتها المتسارعة، تتطلب جهودا تكاملية ومؤسسية مضاعة لتخطي هذه التحديات والإفادة من البيئة الرقمية في بناء منظومة من الصحف الإلكترونية، التي توفر بيئة عمل إبداعية تجعل من الممارسة الإعلامية شغفاً ورسالة قبل أن يكون وظيفة.
وأضاف “من أبرز التحولات المفصلية التي أفرزتها البيئة الرقمية أن أتاحت المجال للمستخدمين الأفراد المشاركة في صناعة المحتوى الرقمي بإمكاناتهم الفردية، عبر ما يعرف بصحافة الأفراد أو الإعلام البديل أو صحافة الموبايل أو صحافة المواطن، فبرز نتيجة لهذه الميزة مستخدمون أفراد مبدعون في أعمالهم، احترافيون في صناعة محتواهم وأصبحت منصاتهم الشخصية ذات تفضيلات عالية ومتابعة كبيرة”.
وأبرز أن “في المملكة نماذج مبدعة من الشباب الذين يتوافرون على مهارات احترافية في صناعة المحتوى وإدارته، ولهم حضور كبير في عدد من المنصات وتنافس عالمي في أعداد المتابعين، إلا أن هذه الجهود تضل جهود فردية ذات بعد محلي، تحتاج إلى بوصلة وطنية لتوجيهها ورعايتها ودعمها وتوفير البيئة الإبداعية التي تحفز الشباب نحو الإبداع والاستمرار في العطاء، وفق استراتيجيات وطنية لتوظيف إبداعاتهم لخدمة دينهم ووطنهم، ولذلك فإن من المناسب وعبر منصة صحيفة مكة الإلكترونية الدعوة لعمل مؤسسي تقوده المؤسسات الإعلامية، لاستقطاب هذه الطاقات الشابة الإبداعية وتوفير الإمكانات الفنية والتدريبية والتنظيمية، التي تسهم في تطوير الممارسة الإعلامية الرقمية السعودية؛ لتصبح قوة ناعمة تحافظ على هوية المجتمع وأنساقه الثقافية والدينية والاجتماعية”.
وحول آليات دعم الصحف الإلكترونية في هذه المرحلة، قال الصبيحي “لا أتفق كثيراً مع فكرة ربط المؤسسات الصحفية السعودية بعائداتها المادية، أو بنسختها الورقية؛ لأن المؤسسات الإعلامية ليست مؤسسات اقتصادية في المقام الأول، ولكنها مؤسسات اجتماعية تنهض بوظائف إعلامية غير ربحية، وعائداتها المادية ينبغي أن تكون مصدراً لاستقلاليتها وموضوعيتها في أداء مهامها وتطوير قدراتها وتوفير البيئة الإبداعية لمنسوبيها، دون أن يكون مؤشر النجاح مرتبط بالدرجة الأولى بهامش الربح المتحقق، لأن هذا الاتجاه يحول المهنة الصحفية إلى سلعة لا تخضع لقيم المهنية وأخلاقيات الممارسة وتشريعاتها”.
وأشار إلى أن “الصحافة مهنة ذات وظائف محددة في المجتمع ووسائل الإعلام لا تموت ولا تتراجع إلا نتيجة لأسباب لا تتعلق بذاتها؛ فقد عبر روجر فيدلر عن ذلك في نظريته التشكل العضوي لوسائل الإعلام التي تمثل رؤية موحدة للتفكير في تطور تكنولوجيا وسائل الاتصال؛ فعندما يظهر نمط اتصالي جديد يؤثر وبدرجات متفاوتة على أنماط الاتصال القائمة، وتكون القاعدة هي التطور المشترك لهذه الوسائل والتعايش، وليس التطور المنفرد للوسيلة الجديدة والاستبدال التام للوسائل القديمة، ولذك فإن مواكبة هذه التطورات فنياً ومهارياً هو الحل المفصلي للتكامل بين الوسائل، وتحقيق عادات تحافظ على بقاء كياناتها بهوامش ربح لا تتعارض مع وظيفتها المجتمعية وقيمها المهنية”.
وعن المقترحات والرؤى العلمية والمهنية لتطوير الأداء الإعلامي السعودي في البيئة الرقمية، أوصى الصبيحي بـ:
- تفعيل منظومة التشريعات المتعلقة بالمهنية الإعلامية، ومؤشرات قياس المهنية، وتمكين مؤسسات مجتمع مدني تمثل بيوت خبرة لإصدار تقارير دورية عن مستوى المهنية في المشهد الإعلامي السعودي، وإنشاء إدارات مختصة في متابعة الأداء المهني للإعلام السعودي الرقمي ووضع تنظيمات تحد من الممارسات الإعلامية غير المهنية.
- العمل على إيجاد بيئة محفزة لبناء منصات لتطبيقات الإعلام الجديد عبر تنظيمات مؤسسية، تستهدف صحافة المواطن عبر مبادرات مدنية، تسهم في رفع مستوى المهنية لحسابات الأفراد ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وتحسن من مستوى أدائهم الإعلامي.
- دعم وتطوير أداء الإعلام الحكومي عبر أنظمة إدارية مرنة، وسياسات إنتاجية مهنية منافسة لأن الإعلام الحكومي الأقدر على تحقيق الوعي المجتمعي، وبناء شراكات فاعلة مع بيوت الخبرة، للخروج من دائرة العمل الإعلامي الروتيني والذهنية التقليدية، إلى بيئة إبداعية تناسب العمل الإعلامي في بيئته الجديدة.
- تبني استراتيجية للأمن الإعلامي نحو بناء وثيقة الأمن الإعلامي، تحدد أطر الإنتاج والنشر والتداول وفق معايير المهنية لتوفير محتوى إعلامي آمن.
- الدعوة إلى بناء استراتيجية وبرامج ومبادرات فاعلة؛بين المؤسسات الإعلامية والجهات الحكومية ذات العلاقة، لتطوير تعليم الإعلام في أقسام وكليات الإعلام في الجامعات السعودية، بصورة تواكب حركة الإعلام التفاعلي بتقنياته المتسارعة.
- الاهتمام بالدراسات الإعلامية والاتصالية والبحوث المشتركة والدراسات النقدية والمهنية، الهادفة إلى تطوير الممارسة الإعلامية عبر منظومة من الملتقيات والمؤتمرات ومراكز البحث، بشراكات فعالة مع أقسام الإعلام وكلياته وبيوت الخبرة.