قال صاحبي: هل رأيت انتقاد قناة الجزيرة لكم معشر الإعلاميين؟ وهل رأيت تقييمها لمستوى الإعلام السعودي بشكل عام؟ فأجبته على الفور: وما الجديد في ذلك؟! لا تكاد تجد نشرة إخبارية، أو برنامجًا في هذه القناة يخلو من مقتطفات مجتزئة من سياقها العام، أو نقد غير موضوعي للإعلام السعودي!!، فالصراخ على قدر الألم، ولكن لماذا الآن، وما المضمون الذي تم تقديمه للمشاهد، ومن هم الضيوف الذين استضافتهم القناة لبث سمومها من خلالهم، وهل هناك فوائد خرج بها المشاهد من متابعة هذا البرنامج؟ وماذا يحتاج إعلامنا السعودي ليصبح الأفضل؟
من خلال متابعة البرنامج يتضح أنه أعد بمناسبة مرور ثلاث سنوات على مقاطعة قطر، وإن لم يتم التصريح بذلك، ولازال القوم يتألمون من سياط الإعلام السعودي بمحركاته الثلاثة – الإعلام الرسمي، الإعلام الخاص- إعلام المواطن- ولعل الأخير كان وقعه عليهم لا يحتمل، إذ تحمل المواطن السعودي مسؤوليته تجاه وطنه، فعبر عما بداخله، وأظهر حبه وولائه لقيادته، وفضح كذب وتضليل إمبراطوريات الإعلام القطرية، وعراها أمام الرأي العام العربي تحديدًا؛ حتى غدا مادة إعلامية في أغلب برامج القناة التي فشلت في التعامل معه بمهنية، فسلطت عليه أبواقها من العاملين فيها والعاملين لها، في محاولة يائسة لخنق صوت المغرد السعودي، ونعته بأوصاف لا تليق إلا بها وبمن يدور في فلكها.
استضاف البرنامج ضيفين أحدهما من بيروت وسبق له العمل في الشركة السعودية للأبحاث والنشر، والضيف الآخر عاق لوطنه، ومنتمي فكريًّا لتنظيم إرهابي محظور، وبالرغم من أن البرنامج سخّر جل وقته لاستعراض مقتطفات من مختلف قنوات الإعلام السعودي الثلاث على طريقة “ويل للمصلين”، وعدم إتاحة إلا اليسر من الوقت موزعة بطريقة ضيزى بين الضيفين، سعى الضيف السعودي من لندن لنفث سمومه، وإسقاطاته على إعلامنا الوطني، وبدأ ينظر ويحاول استدعاء ما بقي لديه من أسس الإعلام ونظرياته، فلم يوفق لذلك لأن عقله تم غسله، واستبدال علم الإعلام بعلم الإخوان.!
رمتني بدائها وانسلت كان هذا حال الضيف السعودي من لندن، عندما تحدث عن فقدان المصداقية، والموضوعية، وانعدام المهنية، واستخدام منهجية التكرار على طريقة اكذب اكذب اكذب حتى تصدق نفسك، هذه الأوصاف التي رمانا بها زورًا وبهتانًا، لو استبدلت كلمة الإعلام السعودي بالإعلام القطري، لما تجاوزت الحقيقة، بل تكون شخصت هذا الإعلام ببعض صفاته فقط المجافية للأخلاق والمهنية التي تنادي بها مدارس الإعلام على اختلاف توجهاتها، وتلتزم بها الوسائل التي تحترم نفسها، وصناعتها الإعلامية وجمهورها.
فالإعلام القطري الموجه سعى لاحتلال العقل العربي لأكثر من عقدين من الزمان موهمًا إياه، بتقديم خدمة إعلامية متميزة، لم يعهدها المتلقي العربي، قائمة على الرأي والرأي الآخر!! ورغم ماكينته الدعائية الضخمة، التي لا تفتر ليلًا ونهارًا عن تخدير العقل العربي وتضليله؛ إلا إنها قوبلت بصحوة شعبية ورسمية عربية أدركت أن قناة الجزيرة قناة فتنة، وتفرقة بين العرب، وخلق أحزاب واصطفافات سياسية خارجة عن سياسة كل بلد عربي، فكانت النتيجة طردها من عدة عواصم عربية، بعد افتضاح دورها في المشروع التأمري والتدميري في المنطقة، وكيلها بعدة مكاييل من الهوى والإملاءات، والتوجهات الأيديولوجية.
اعتدنا على هذا الهجوم حتى تكسرت النصال على النصال، وإيمانًا منا بأنه لا يرمى إلا الشجر المثمر، وقد تجاوزنا مرحلة الحساسية من النقد لإعلامنا، لكن التساؤل المهم والمشروع والذي لا يبحث عن إجابة محددة، بقدر ما يسعى إلى بناء استراتيجية إعلامية وطنية، تنطلق من رؤية طموحة، ووطن رائد وقائد لأمتيه، ولأن سقف توقعاتي من إعلامنا لا حدود لها، ولأننا بحاجة إلى نجاحات إعلامية موازية لنجاحاتنا السياسية والإنسانية والاقتصادية والعسكرية، إلى ذلك يبقى السؤال، كيف نوجه بوصلة إعلامنا لتحلق بوطن طموح ومجتمع حيوي، واقتصاد مزهر وأحد العشرين الكبار رسام الصناعة الاقتصادية في العالم، إلى المكانة اللائقة به والمنسجمة مع رؤية وتطلعات قيادته؟.
قلت لصاحبي:
“إن المعارك لا يمكن أن تُربح فقط في ميادين القتال، وإن الكاسب في الحرب هو ذلك الذي تكسب قصته في الإعلام”.ع