د. بندر الجعيد

الأضواء الإعلامية في زمن الكورونا

وزارة الصحة في المملكة قررت إضافة دواء الديكساميثازون للبرتوكول العلاجي؛ وذلك بناءً على توصية منظمة الصحة العالمية والمستنِدة على أبحاث علمية. ما أن غرّد حساب وزارة الصحة في تويتر بذلك، حتى انطلق عدد كبير من الكُتاب والمغردين والمؤثرين وصنّاع المحتوى في إطلاق الآراء والأحكام والتنبؤات، والتي وجدت قبولًا ورفضًا وتداولًا بين الجمهور داخل السعودية وفق عدة اتجاهات وآراء مختلفة، وأصبح أسم الدواء الترند الأول في تطبيق تويتر في غضون ساعات. وماحصل جزء من طبيعة وخصائص البيئة الإعلامية في السعودية، والتي تتعرض للتطوير المستمر بفعل التحديثات التكنولوجية حالها حال بقية البيئات الإعلامية ذات الأنظمة المفتوحة.

المُقلق هو صعود مجموعة من الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تختلف في بعض الطرح مع الخطاب الإعلامي المقدم من وزارة الصحة والجهات المعنية، وخصوصًا في المسائل المتعلقة بوضع الوباء محليًّا والمعالجات المقدمة والتنبؤات بمستقبل الوباء في المملكة وللأسف معظم توقعات هذه الحسابات لم تكن دقيقة إلى حد كبير. بل إن مثل هذه التصرفات عزز من امتداد مخاطر ظاهرة عالمية تسمى وباء المعلومات Infodemics إلى مجتمعنا المحلي، والتي بلاشك سوف تستهلك الكثير من الوقت من المؤسسات المختصة؛ لرصد المعلومات المضللة والشائعات ودحضها.

هناك ثلاثة عوامل محفزة لبروز ظاهرة التضليل المعلوماتي، واستجداء الأضواء الإعلامية. أولًا، ظروف المرحلة الحالية التي تمر فيها المجتمعات البشرية تختلف كليًّا عن الأوقات الماضية؛ وذلك لطبيعة تعقيدات هذه الجائحة وحداثتها وانتشارها السريع والمتغير، والذي خلّف العديد من الآثار وأهمها ذات الطابع الاقتصادي. ثانيًّا، برزت جائحة كورونا في ظل بيئة إعلامية تفاعلية وبيانات ضخمة وتطبيقات تواصل اجتماعي متعددة ومجانية، والتي شكلت معًا أنماطًا جديدة لاستهلاك المحتوى الإعلامي مما سهل من ةنتشار المعلومات المضللة. وأخيرًا بعض مصادر المعلومات المضللة يكون في الشكل الظاهري طبيًّا، ولكن بعد التدقيق يصعب التأكد من صحة المعلومات ولكن مع التدوير الإعلامي وتداولها تكتسي بلباس الحقيقة.

لا شك أن جهود الجهات الرسمية في الجوانب الإعلامية توازي الجوانب الصحية وتم إطلاق تحديثات بالمنظومة الإعلامية السعودية في بداية انتشار فايروس كورونا، واتُخذت إجراءات قانونية صارمة تجاه بعض الحسابات في وسائل التواصل الإجتماعي، ولكن طبيعة وسائل الإعلام الجديدة تضع الكثير من التحديات، ولا شك أن أخطر الأضرار التي يمكن أن تقع من التضليل المعلوماتي هي ذات الأبعاد الاقتصادية، والتي قد تتسبب في تعثر بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة نظرًا لاعتماد ملاكها أو مدرائها على معلومات خاطئة عند وضع خطط الأزمات لتتواءم مع الموقف الحالي.

وختامًا، أتمنى أن لا يكون لمعان أضواء الإعلام أغلى من صحة المجتمع، وأن نستفيد من أزمة جائحة كورونا في إعادة النظر في الممارسة الإعلامية ذات الطابع الجماهيري، وأن نرتقي في مستويات كفاءة الممارسين بما في ذلك حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لما لها من تأثير واضح بالمجتمع.

——————-

استاذ الاعلام الاقتصادي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button