في قريته الوادعة يعيش ، وإلى كنف الشقاء يلجأ، هكذا حدثني أحدهم قائلًا :
كنّا نعيش في شظف من العيش ، فلقمة الطعام الهانئة لم تعرفها أزوارنا (حناجرنا ) منذ زمن بعيد ، يكاد يضرب بأطنابه في غياهب النسيان ، ومفردات الطعام التي تغصّ بها المائدة لا تكاد تتجاوز فنجانًا من الشاي (الشاهي) وكسيرة خبز ( قرص)عُجِنَ سريعًا ، وشمّته النار لمامًا ، ذلك مبلغ أمعائنا ، وأردف يقول :
عندما يتغير الرتم اليومي في نوعية الطعام ، نصاب بالتلبك المعوي ( المغص) الحاد ، لأنها اعتادت السلاسة ، وأريحية الهضم ، فلا كلافة بين مجرى الطعام وموطن استقراره ، أصبح الطريق ممهدًا ، حاله كحال الشوارع الآن التي تعجّ بالمطبات ، واعتدنا عليها ، حتى إننا عندما نلاحظ أن الطريق نظيف خالٍ من العراقيل والعقبات ، تأخذنا الشفقة على أنفسنا ، فنلجأ إلى عيون القطط نتلذذ بصوت الإطارات وهي تصافحها لاهثة ، هكذا صوّر لي محدثي حال يومه البائس ، ويرسل زفراته وتنهيداته معللًا ذلك بتواتر مخلفات الماضي في عقليته ، حتى بات يشفق على نفسه ، يقول :
كانت القرية مليئة بأقراني الذين تتنوع اقتصادياتهم بين الاكتفاء الذاتي ، والفقر ، والفقر المعدِم ، والطبقة الأخيرة التي ينتمي إليها صاحبنا هي طبقة اللانهاية (تحت الحديدة ) ، يقول :
على ضفاف قريتنا كانت هناك تموينات ( بقالة ) ، يديرها بامتياز أحد الأخوة العرب المستثمرين في قطاع الفقراء ، وكان يجلب لها أطايب المستهلكات التي تزين أرفف (السوبر ماركت ) الذي لا يتجاوز ثلاثة أمتار طولًا في مثلها عرضًا ، طبعًا لايوجد لوحة إرشادية دعائية ، كون المعروف لا يعرّف ، يقول صاحبنا الجائع :
كنت أضرب أكباد الإبل مشيًا على الأقدام حافيًا لا منتعلًا ، الثوب ممزق ولكنه يعدّ تحفة فنية ، فقد التصق بالجسد ، لأنه متعدد الأغراض والمهمات ، فهو للمدرسة ، ولرعي الماشية ( الغنم ) ، وللنوم ، وللتحلق حول مائدة ( القرص والشاهي ) ، وللفزعات أحيانًا (المشاكل )، طبعًا لتحميل الذخيرة الحيّة من الحصى ( الحجارة ) لرجم الخصوم ، وعادة ما يتم اختيار ساحة المعركة بحسب ضعف الخصم أو قوته ، ولنعد إلى السوبر ماركت الشهير (بنده)، حيث يقول جائعنا :
كنت أقلب طرفي وأمررها على الأرفف ، مستغلًا سهو البائع متعدد المناصب ، فهو المدير ، والعامل وأمين الصندوق ، وحارس الأمن ، وأحيانًا طرف للنزاع من بعض المشاكسين ، نعم يقلب طرفه في الأرفف ، تخصص التونة ، أو الجبنة الكرافت ، وأخيرًا البسكويت أبو سمسم ، بعد هذه الرحلة الماتعة لطرفه الذي يسترق به البصر قبل أن تحين التفاتة من البائع الشرير، يكون صاحبنا قد شبع عن طريق ( الواي فاي) ؛ بل بدأ يتجشأ شبعًا (يترّع) ، مذكرنا المثل العربي المشهور 🙁 تجشأ لقمان من غير شبع )، وفي خضم الروايات السردية والاستمتاع له هرب صاحبي مني وأنا أناديه ، فيقول : لعلي ألقاك وأخبرك بما هو أدهى وألذ…………..
لعل و عسى أن يشبع ذلك البائع من جشعه حتى يشبع الجياع .
رائعة ..تصوير دقيق مفردات مسرودة دون تكلف .. من العنوان لم أجد نفسي إلا وقد انتهى بي المقال كما توقعت دون كلل أو ملل ??
مقال جميل يكاد يكون توثيقا لحالنا في أيامٍ مضت
وكأنّي أرى نفسي في شخصية هذا الجائع
نحمد الله على مامنّ به علينا من رغد العيش
كتبت ياأبا عبد العزيز نعم كتبت وبلسان الملايين سلمك الله