كم كانت سعادتي كبيرة، وأنا أرى مبنى المتحف الإقليمي بمنطقة الباحة على وشك الانتهاء، وقد كنت أول من طالب بإقامته في المنطقة؛ لحفظ تراثها وجوانب من آثارها وشواهد من تاريخها؛ وذلك حينما كنت أعمل مشرفًا على الآثار بالمنطقة..
وبتجاوب كريم وسريع من سعادة مدير عام الآثار والمتاحف حينذاك الدكتور عبدالله المصري الرجل الآثاري القدير والمسؤول الإداري الجدير الذي بارك الفكرة على الفور، ورأى بأن الأولوية تقتضي توفير أرض لمبنى المتحف، وبناء على إشارته جرت المكاتبات من إدارة تعليم الباحة لوزارة المعارف التي بدورها خاطبت وزارة الشؤون البلدية والقروية، وتأتي الموافقة وفق ما تضمنه خطاب الوزارة بتوجيه بلدية الباحة بتخصيص المساحة المطلوبة والمقدرة حينها بألفين وخمسمائة متر فقط. ولأن نطاق المدينة حينها ضيق ولا توجد أراض كافية مناسبة لهذا الغرض.
فقد اقترحنا بأن تكون في أرض تخص البلدية، وكان عليها بعض مظلات وجلسات بالقرب من غابة رغدان، وهي من أهم المواقع السياحية بالمنطقة لتشكل عامل جذب إضافي لما يخدم السياحة، وقد تجاوب رئيس البلدية حينها المهندس محمد حمدان -رحمه الله- وكلف بعض المهندسين والمساحين بالرفع المساحي والرسم الكروكي للأرض بوقوفنا معهم. وطلبت البلدية من إدارة التعليم وضع البتر على أركانها، ورفع لوحة بأنها أرض المتحف. والحقيقة بأن الإدارة تأخرت كثيرًا، فهناك من يرى بأن ذلك ليس من اختصاصها بينما تسعى البلدية للتأكد من خلو الأرض من الشوائب قبل إصدار الصك من المحكمة باسم إدارة التعليم، والتي ترى بأن وجود المظلات دلالة على أنها أرضٍ حكومية لا تلقى معارضة من المواطنين، وأنها لن تعمل أي شيء قبل استلام حجة الاستحكام الخاصة بالأرض. ولهذا السبب الصغير مضت فترة غير قصيرة دون إصدار حجة الاستحكام عليها واستلامها !
وأخيرًا، وبعد مضي سنوات تم استلام الصك، وكان ذلك قبل سلخ الآثار من وزارة التعليم إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والتي رأت بعد ذلك بأن المساحة لا تفي بالغرض المطلوب وطالبت بزيادة المساحة، وتم اعتماد المشروع بحرص واهتمام ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقًا. وها هو المبنى يقف شامخًا؛ ليشكل منتجًا سياحيًّا رائعًا وراقيًّا؛ ليعرف الأجيال بماضي المنطقة وتراثها ونمط الحياة فيها ولاختصار قراءة تاريخها من خلال ما سيعرض من أدوات تجسد الحقيقة. وبقدر سعادتي الكبيرة بقدر اندهاشي المرير لخلو واجهة المتحف من أية إيحاءات من التراث العمراني بالمنطقة وهو مصدر غرابة بكل تأكيد. وكان مما يجب فعله، فلا تعنينا تجميلات الكيلادنج الحديثة بقدر مايهمنا إبراز السمة المعمارية لمباني المنطقة كعنوان ناطق ذي دلالة قبل الدخول إلى قاعات المتحف.
وإذا كان ذلك قد فات فنأمل ألّا يغيب عمّا هو آتٍ فالمباني الحكومية بالمنطقة باستثناء مبنى الإمارة والأمانة لا نجد فيها روح المنطقة وهو أمر غير مقبول لاسيما، وأن تراثنا المعماري غاية في الجمال.
والأمل أن تكون لكل منطقة هوية معمارية يتم استيحاؤها من نمط العمارة القديم؛ لتظهر مدننا ومناطقنا بشكل أجمل وهو ما نتمناه في قادم الأيام.