عبدالرحمن العامري

حُقنة تخدير !!

كلما شاهدت تلك اللوحة ذات المقاس الصغير بجانب أي مشروع ما زال العمل فيه قائمًا، وقد كُتب عليها “نعمل من أجلكم ونأسف لإزعاجكم”، أُصابُ بحالة من الذهول، والتشتت الذهني؛ فهذه العبارة باتت شعارًا تتبعه أكثر الشركات المنفذة للمشاريع الحكومية، وتقصد منه الاعتذار عما تسببه من معاناة لمستخدمي الطريق من المارة وأصحاب السيارات، والمنازل القريبة منه والمحلات.

فهي عبارة جميلة قد نلتمس لهم العذر فيها؛ لأن هذه المشاريع إنما أقيمت لأجل المواطن، وتستدعي منا غض الطرف وتحمل كل المتاعب التي تعترض طريقنا أملًا في الاستفادة من ذلك المشروع الذي انتظرناه بفارغ الصبر والمعاناة، وهو مايظهر في جملة (نعمل من أجلكم)، ولكن هذه العبارة إذا ما كانت في غير زمانها وأوانها ومكانها سقط معناها، وفقدت مغزاها ونقص فحواها.
ومن هذا المنطلق فإن أكثر الشركات والمؤسسات لا ينقصها الوقت بمقدار ما ينقصها احترامه وتنظيمه؛ فقد أصبح الوضع لا يطاق في كل المشاريع التي تنفذها تلك الشركات فما نراه من استهتار وعدم مهنية في غالبيتها، وما نشاهده من متعهدين غير مؤهلين ومهندسين ومشرفين غير مخلصين، أصابنا بالإحباط وخيبة الأمل. فالشوارع مليئة بالمطبات والحفر وأماكن العمل بدون أي لوحات تحذيرية أو إرشادية، ولا يوجد تحديد مدة زمنية لبداية ونهاية تنفيذ المشروع إلا على الورق، أما على أرض الواقع فليس هناك إلا تلك اللوحة التي تسر الناظر إليها بجمال خطها لا محتواها.
وما يزيد الطين بلة هو الإهمال في تأخير العمل بهذه الحفريات، والتي قد تتوقف لفترة من الوقت أو يتم العمل في موقع آخر، وترك الموقع السابق مما يتسبب في معاناة مستمرة قد تطول إلى أن تتكرم الشركة المنفذة بتنفيذ ما عليها من التزامات.

فأي راحة حوتها تلك العبارة تجعلنا كمواطنين نتحمل أعمال هذه الشركات بكل إزعاجها وصخب ضجيج محركاتها، وأي راحة، وغالبية أعمال الحفر للبنية التحتية تواكب حلول الضيف في فصل الصيف أو مع بداية العودة للمدارس؛ وكأن معداتهم تقوم باستعراض فني أمام كثرة المارين بجانبها في هذه المواسم.

لذلك فقيام هذه الشركات بأعمالها دون مراعاة لمشاعر وطمأنينة ساكني الأحياء ومرتادي الطرق يجعل تلك العبارة التي خُطت على هذه اللوحات مجرد قرص مسكن أو حقنة تخدير لمن يمرون على هذه العبارة بشكل يومي وعليه؛ فإنني أدعو جميع هذه الشركات والمؤسسات المعنية بتنفيذ تلك المشروعات إلى استبدال عبارتهم الدرامية بعبارة أكثر شفافية ألا وهي:
نأسف لراحتكم ونعمل على إزعاجكم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button