الفيلسوف الكفيف أبو العلاء المعري دخل ذات يوم على الشريف المرتضى فعثر برجل، فقال الرجل من هذا الكلب؟ فقال المعري الكلب هو الذي لا يعرف للكلب سبعين اسمًا ؟ هذا الرد تحول لمنافسة بين الحضور (من يعرف للكلب سبعين اسمًا؟) حتى جمعها السيوطي في أرجوزة أسماها التبري من معرة المعري.
اليوم هناك الكثير من التصرفات في العمل، وفي الحياة بصورة عامة يمارسها الناس أما جهلًا أو تجاهلًا، وهي تعني سلوك سلبي واحد وإن اختلف المسمى أو القصد. ومن أسوأ ما تعانيه بعض الأجهزة الحكومية ومراجعيها هو سلوك الفساد الوظيفي، الذي تضيع معه حقوق ومصالح الناس دونما أي ذنب لهم، سوى أنهم لا يستطيعون الحصول على هذه الخدمة من أية مؤسسة أخرى، كما هو الحال عند تعاملهم مع مؤسسات القطاع الخاص التي يُتاح للعميل العديد من الخيارات؛ حيث تتنافس تلك المؤسسات لكسب رضا الجمهور بأي طريقة كانت حتى أصبح شعارها العميل أولًا، والعميل دائمًا على حق.
ولشديد الأسف فإن كثيرًا من الموظفين وحتى المسؤولين في القطاع الحكومي يعتقدون أن الفساد الوظيفي يقتصر على تأخر الموظف عن الحضور في بداية الدوام، أو مغادرته مكان عمله قبل نهاية الدوام الرسمي، وهذا بلا شك يعد شكلًا من أشكال الفساد أو التسيب، لكن الواقع يشير إلى أن هناك تصرفات كثيرة كلها تنضوي تحت سلوك الفساد، ولو أردنا حصرها لتجاوزت عدد أسماء كلاب المعري.
ولذا سوف نركز هنا على أهم مظاهر الفساد الوظيفي في عدد من النقاط على النحو التالي:
▪ وصول الموظف أو المدير لمكان عمله متأخرًا، وبصورة متكررة.
▪ مغادرة مكان العمل قبل نهاية الدوام بشكل متكرر.
▪ الغياب دونما عذر رسمي وإحضار تقارير غير صحيحة لتبرير ذلك الغياب.
▪ ترك الموظف لمكتبه والتنقل بين الإدارات دونما ضرورة.
▪ التباطؤ في الأداء واستغراق وقت أكثر مما يحتاجه إنجاز العمل.
▪ تأجيل إنهاء المعاملات إلى وقت آخر رغم إمكانية إنجازها في نفس اللحظة.
▪ الانشغال بأجهزة الحاسب أو الهاتف أو الحديث مع الزملاء دون اكتراث بمصلحة المراجع.
▪ المبالغة في ترك المكتب وقت أطول مما يحتاجه الموظف عند ذهابه للصلاة أو لإحضار القهوة أو الشاي.
▪ المبالغة في التدقيق على المعاملة بهدف تعطيل المراجع لأطول مدة ممكنة.
▪ الطلب من المراجع تقديم خدمة معينة؛ لكي يتم إنجاز معاملته بأقصر وقت ممكن.
▪ تجاوز أنظمة وقوانين العمل بصورة تعطي الخدمة لمن لا يستحقها.
▪ التعنت وتفسير الأنظمة بصورة تهدف لمنع حصول شخص ما على خدمة، وهو مستحق لها.
▪ استغلال أدوات وأجهزة العمل لأهداف شخصية لا علاقة لها بالعمل.
▪ استغلال المدير لموظفي الجهة في إنجاز أعماله الخاصة، وربما على حساب وقت العمل.
▪ توجيه الموارد المالية المخصصة للانتداب أو للعمل خارج أوقات الدوام أو للعقود أو المشتريات وغيرها؛ لتحقيق المصالح الشخصية ومصالح المقربين من المسؤول.
▪ التحيز واعتماد المسؤول على العلاقات الشخصية كمعيار في تقييم أداء الموظفين.
▪ حرمان الموظف من أي استحقاق له سواء في ترقية أو أمور مالية أو التدريب وفي المقابل أعطاها لموظف آخر لا يستحقها.
▪ قبول تعيين شخص غير مؤهل على حساب آخر أفضل منه لتحقيق مصلحة خاصة.
▪ استغلال المدير إنجازات موظفيه لتلميع صورته لدى المسؤولين على حساب جهود أصحابها.
▪ تخلي المدير عن الموظفين وإهمال مطالبهم، وإن كانت كبيرة ومستحقه وعدم توصيل مشكلاتهم وآرائهم للمسؤولين، بينما تجده في المقابل يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يشعر أنه فقد حق من حقوقه مهما كان ذلك الحق صغيرًا.
▪ التنصل عن المسؤولية وتحميل الموظف نتائج الأخطاء التي تحدث في العمل حتى وإن كانت تلك الأخطاء ناتجة عن توجيهات المدير نفسه.
▪ استحواذ المدير على أدوات وأجهزة العمل والمعلومات التي يحتاجها الموظفون بصورة أكثر منه؟
▪ إهمال المسؤول لدوره في الرقابة على أداء الموظفين، وتركهم يعبثون بموارد الجهة ومصالح الناس دونما رقيب أو حسيب.
▪ عدم تفويض المسؤول الصلاحيات الكافية لمن ينوب عنه أثناء فترة غيابه مما يعطل حركة سير العمل والمعاملات وتوقف مصالح الناس.
▪ غياب القدوة في العمل عندما يخالف المدير ما يأمر به موظفيه، ويمارس ما ينهاهم عنه.
وفي الواقع ليس من السهل علينا في هذه المساحة الضيقة أن نحصر جميع أشكال وألوان الفساد الوظيفي، ولكننا سنترك المجال مفتوحًا أمام القارئ السيوطي ليجمع لنا في أرجوزة ما يعرف من أوجه الفساد الوظيفي التي رآها أو سمع عنها.
—————————————
*عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة.