(النظرة الأولى) وتأثيرها على المحب كتب عنها الأدباء وقال فيها الشعراء، ومن أشهر الأبيات التي غناها أهل الفن ما صدح به طلال مداح:
هِيَ (نَظْرَةٌ) كَانَتْ حِبالَةَ خُدْعَةٍ..
مَلَكَتْ عَلَيَّ بَدِيهَتي وَصَوابِي
(نَصَبَتْ)حَبائِلَ هُدْبِهَا (فَتَصَيَّدَتْ)..
قَلْبي فَراحَ فَرِيسَةَ الأَهْدابِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ طَارِقَةِ الْهَوَى..
أَنَّ الْعُيُونَ مَصايِدُ الأَلْبابِ
هذا الوله والعشق يشرح حال المجتمعات (القديمة البسيطة)، ويبين قيمة النظرة ومكانتها عندهم فهي للشوق لا تطفي ومن الآلام أيضًا لا تشفي!
أما اليوم، فالنظرة صارت من الماضي، وفقدت قيمتها (المعنوية التاريخية)؛ حيث تأتيك صورة لا تدري أهي فعلًا صورة حقيقية لراسلها أم تم تعديلها، وقد تأتي مع الصورة رسالة وربما يكون مقطعًا كاملًا. ويظن البعض أن مفهوم (النظرة الأولى) يصلح في كل زمان ومكان وفي كل شؤون الحياة وليس في الحب فقط، ويتعامل مع (الرسالة الأولى) كالنظرة الأولى، ولا يدري أن هناك أهدافًا أخرى يسعى إليها (الراسلون أو المتصلون المجهولون).
لا شك أن وسائل التقنية غيرت أسلوب حياة المجتمعات الحديثة وجعلتها سهلة، ورغم الترفيه والتثقيف والتواصل الذي توفره للناس، إلا أن هناك خفايا في تلك الوسائل يجب الحذر منها والتعريف بخطورتها. هناك شركات متخصصة تتابع بدقة وتدرس الملفات الشخصية للمشتركين في التطبيقات، ماذا يتابعون وإلى أي المواقع ينضمون (رياضة/سياسة/ توظيف/فنون…)؟ ماذا ومن أين يشترون؟ ثم يظهر لهم بعد التحليل والمتابعة ما هي الخدمات التي يريدونها، هل يريدون قرضًا ماليًّا؟ هل يبحثون عن وظيفة؟ ما نوع الألعاب التي يقومون بتحميلها وووو… إلخ، هذه الدراسات ونتائجها (يتم بيعها) لاحقًّا لشركات أو أفراد، ومن خلالها يتواصلون مع المشتركين (بدون سابق معرفة)، فيرسلون لهم (رسالة أولى) يجسون من خلالها نبض المشترك وهل لديه الرغبة في الخدمة المقترحة أم لا، و يقع البعض أسيرًا لتلك (الرسالة الأولى)، ويرسل بسذاجة بياناته الشخصية كاملة، وبياناته البنكية، وربما بيانات أخرى.
فالباحث عن مواقع القروض أو المتابع للبنوك الدولية وجهات التمويل الشخصي أو التجاري قد تصله (رسالة أولى) من شخص لا يعرفه، يخبره بأنه (معجب جدًّا) بملفه الشخصي profile، وبما يكتبه في تويتر وبمنشوراته (posts) في الفيسبوك، والتي تدل على الحكمة والأمانة والثقة! ويخبره بأنه مريض وعلى شفير الموت، ولهذا قرر أن يمنحه (كل) أمواله بشرط واحد فقط، وسوف يعرف المزيد من التفاصيل عن المنحة إذا قبل بها!! ومع الأسف يتفاعل البعض مع هذه (الرسالة الأولى) ويصدق ان (راسلًا مجهولًا) قد اختاره من مليارات الناس كي يحول له ثروة بمئات الملايين (بالعملة الأجنبية) تجعله بين عشية وضحاها من ذوي المليارات بالعملة المحلية!
وإن كنت ممن يبحث عن التوظيف، سوف تصلك (رسالة أولى) تقرأ فيها أو اتصال (دولي) تسمع خلاله الكثير من الإعجاب والتقدير لسيرتك الذاتية وخبراتك العلمية والعملية، وأنك تستحق وظيفة مرموقة تتناسب وهذا الكم الهائل من القدرات، ثم يفاجئونك بأنهم قد وجدوا وظيفة تناسبك! لم تكن تحلم بها وبراتب شهري وامتيازات كانت بعيدة المنال عنك، ليس هذا فحسب بل حددوا نيابة عنك موعدا للمقابلة الشخصية مع الكيان الذي سوف تنضم إليه، على أن يتم إبلاغك بموقع المقابلة الشخصية لاحقا! وقبل موعد المقابلة، وحتى لا يتركوا فرصة لك لإعادة النظر، يأتيك اتصال منهم بضرورة دفع مبلغ نظير خدماتهم، فيدفع (البعض) بلا تردد من أجل الحصول على الوظيفة ثم يمسك (الوهم) بيديه!
أما إن كنت من رواد مواقع الألعاب والمسابقات، فالمهمة هنا سهلة، حيث يستغلون شغف (البعض) في البحث عن الثراء السريع فيرسلون (رسالة أولى) للشخص المستهدف للمشاركة في مسابقة أو لعبة أو (شراء ورقة حظ) مقابل مبلغ زهيد، ثم تكون المفاجأة من خلال(رسالة ثانية) تحمل البشرى بالفوز والحصول على جائزة مالية ضخمة مع صورة سند مالي (شيك) مكتوب عليه الاسم وصادر عن بنك دولي ! وفي نهاية الرسالة طلب بتحويل مبلغ مالي لمكتب المحاماة التابع للجهة المانحة للجائزة؛ لإنهاء إجراءات استلام وإيداع المستند المالي في الحساب الشخصي للفائز! قد يرفض البعض تحويل أي مبلغ إلا بعد استلام الشيك، عندها سوف يبتعدون عنه ويتركونه (بكل أدب) يعاني من ضغط الحيرة والقلق والخوف من ضياع فرصة العمر، ولا يلبث أن يراسلهم مرة أخرى؛ ليسأل عن الحساب البنكي للمحامي حتى ينهي إجراءات استلام المستند (السراب)!
(البعض) تنصحه بالابتعاد عن هذا النوع من المراسلات وأصحابها، فيجيبك بثقة بأنه فاهم وعلى علم! ويؤكد بأنه حريص ولن يقع في فخ الغش، ولا يصحو من غفوته إلا بعدما يسلب النصابون منه آخر قرش!
ختام
إضافة لما ستواجهه مع الجهات الأمنية، فكر في نفسك وأهلك، وابتعد عن عصابات الأموال القادرة على الوصول إليك في أي مكان في العالم