قال صاحبي: مضى عدة أشهر على جائحة كورونا، وها قد عادت الحياة تدريجيًّا إلى طبيعتها، ولكن بصمتها، وتأثيراتها ما تزال واضحة للعيان، على السياسة، والمال والأعمال والإعلام، والحياة الاجتماعية بشكلٍ عام، وما زالت تطرق مسامعنا عبارات كُثر فحواها أن عالم ما بعد كورونا، لن يصبح كما كان قبلها!!، فماذا عن التعليم؟ وهل سيناله نصيبه من تبعات هذا التحول الشامل؟
لقد بسطت السيدة كورونا نفوذها على جميع مناحي الحياة دون استثناء، وفرضت واقعًا تعليميًّا جديدًا، غير مألوف في عالمنا العربي، على الأقل، وإن كان العالم أجمع سوف يتحول تدريجيًّا إلى مرحلة تعليمية مختلفة، ستعيد تعريف مفهوم أطرف العملية التعليمية – المعلم- المُتعلم- المقرر الدراسي- المدرسة- الأبوين- فهل نحن مستعدون لهذا التحول شبه الإلزامي في المرحلة القريبة القادمة؟
قبل أسبوعين حضرت ورشة عمل مطولة على مدى يومين، تضمنت في بعض محاورها مستقبل التعليم في العالم العربي، وخلصت الآراء إلى أن الدول الناجحة تسعى لتوفير خدمة تعليمية قائمة على المساواة وعدم التفرقة والتمييز بين الطلاب، مع ضمان تحقيق الجودة في الوقت نفسه، وفي هذه الدول، لا شأن لجودة التعليم الذي تتلقاه في المدرسة بدخل الأسرة أو الثروة أو العرق أو نوع الجنس أو محل الميلاد، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال التعليم عن بُعد.
وحتى تتحقق هذه الغاية، وغيرها من العملية التعليمية، لابد قبل الإقدام عليها من عمل مراجعة عامة للبنية التحتية ومدى قدرتها التشغيلية، واستعدادها لقيام ملايين المستخدمين في التعامل معها في وقت واحد تقريبًا، كما تشمل المراجعة أركان العملية التعليمية، ولا سيما أولياء الأمور، الذين ربما تكونت لديهم خلال المدة الماضية ثقافة جديدة وفهم أعمق لضرورة العمل المشترك مع المدارس، لتعزيز تعليم أبنائهم، فقد أتاحت كورونا للوالدين إدراك صعوبة وظيفة المعلم، ولعل هذا يغير من واجباتهما، فتعليم المستقبل يُلزم الأبوين أن يكونا شريكين رئيسيين في تعليم أبنائهما، وبأنهما أصبحا شريكًا ورقمًا مهمًا في معادلة العملية التعليمية لأبنائهم.
فالمدرسة الافتراضية العصرية تتطلب تغيرًا جذريًّا في مفهومها، وعناصرها، بدءًا من المعلم الذي يجب أن يكون لديه التهيئة النفسية للتعامل مع هذا المتغير الجديد الذي لم يألفه، كما يجب مساندته بالمزيد من الدورات التعليمية والتثقيفية، والبرامج المتعددة للتعليم عن بعد، ورفدة بطرق متعددة للتقويم الشامل للطالب، ولا يُكتفى بمعرفته باستخدام الحاسوب، وهاتفه المتحرك، بل لا بد من إتقانه مهارة العوم في الفضاء الإلكتروني الواسع، كما أن المقرر الدراسي لا بد وأن يطاله شيء من التغيير للتكييف مع الطريقة الجديدة للتعليم.
وأما المتُعلم فحدث ولا حرج، فيحتاج إلى برنامج عمل تتضافر فيه جهود المنابر الأسرية والتعليمية والإعلامية، فالصورة النمطية السلبية في ذهنه عن التعليم بأنه عمل روتيني، وتلبية لرغبة الوالدين، وأحد متطلبات العمل والمجتمع، تفرض إيجاد الحلول للتغلب على هذه الظاهرة التي تجتاح العالم كله وليس منطقة بعينها، ويضاف إليها أن التعليم عن بُعد ليس نزهة، وفرصة للتخلص من رقابة المعلم، والحضور، وأداء الواجبات، بل إنه سيكون أكثر كلفة ومتطلبات، وطرق تقييم متعددة.
وأستطيع القول من خلال تجربتي القصيرة في التعليم عن بُعد، بأنه تعليم المستقبل، إذا وفرت له بيئته ومتطلباته، ونحن بأمس الحاجة للالتفات إليه، وتقويم تجربتنا الإلزامية الماضية، حتى وإن كانت قصيرة، لكنها تعطي مؤشرات مهمة، حول قدرتنا وجاهزيتنا، فهذا النوع من التعليم له فوائد متعددة، يجب تعزيزها، وله سلبيات يجب تعديلها، كما يجب أن لا تغيب عنا مشاعر القلق التي تساور بعض خبراء التربية من جودة تجربة التعلم عن بُعد وآثارها، السلبية المحتملة على مخرجات التعليم.
قلت لصاحبي:
التعليم لا يحدث فقط في المدرسة، لكن في المنزل، متى ما تحققت متطلباته، وتذكر يا صاحبي أن مزيج التعلم المباشر والتعلم عن بعد، سيصبح حقيقة جديدة في واقع الحياة.