المقالات

غفوة (أهل الكهف) الجدد!

التعريف المختصر للأمن المائي يعني المحافظة على الموارد المائية المتاحة، وضبط استخدامها منعًا للتبديد والبحث عن مصادر مائية جديدة، ورفع طاقات استثمارها.

الأحداث الكبرى في منطقتنا العربية يرتبط بعضها ببعض مهما تباعد زمانها ومكانها، ومن المهم أن تتم قراءة تلك الأحداث بشكل صحيح بما يخفف آثارها، وربما يقضي عليها في مهدها إن تم بترها مبكرًا.

من كتبه القديمة، اشتق العدو الصهيوني عبارة وضعها فوق مدخل الكنيست (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلي النيل)، وقال (ثيودور هرتزل) مؤسس الكيان الصهيوني بعد مؤتمر بازل عام 1897م :”إننا في هذا المؤتمر قد وضعنا أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي ستمتد حتى نهر الليطاني”، وبعد سنوات من التأسيس أعلن (بن جوريون): “إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل”.
هذه المقولات التاريخية، إضافة إلى ندرة المياه في فلسطين المحتلة والاحتياجات المائية المتزايدة نتيجة النمو السكاني واستقطاب اليهود من دول العالم،  تعكس قلقًا صهيونيًّا تجاه الأمن المائي للعدو المحتل وتدفعه  إلى البحث عن المياه إما باحتلال جديد، أو الاستيلاء، والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة على مصادر مياه الدول المجاورة (الدول العربية).

في الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ العدو تنفيذ خطط أمنه المائي، مستخدمًا الحرب النفسية من خلال التهديد باستغلال مياه نهر الليطاني  وتحويل مجراه إلى شمال فلسطين حينها صرح أحد المسؤولين قائلًا: “إن إسرائيل العطشانة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرًا للبحر”، ثم تلا ذلك عدوان سافر في الستينيات لما  قام الكيان الصهيوني بتحويل مياه  نهر الأردن، ثم وقعت حرب (يونيو 1967م)، وتمكن العدو الصهيوني من السيطرة الكاملة على (بحيرة طبريا) و(هضبة الجولان) التي تصب في نهر الأردن، وكان عام 1982 موعدًا لتحقيق الحلم الصهيوني بالوصول إلى مياه نهر الليطاني، وظل تحت سيطرة العدو إلى سنة 2000م حتى انسحب العدو الصهيوني من الجنوب اللبناني للتركيز على أوضاعه الداخلية.

تغيرت سياسة الكيان الصهيوني بعد معاهدات السلام التي وقعها مع بعض الدول العربية، وبعد مؤتمر المياه والبيئة الذي عقد في دبلن فبراير 1992؛ حيث كشف الأمريكيون في المؤتمر بأن الأنهار العربية الثلاثة الكبرى: (النيل والفرات والأردن) هي بؤر صراع دموية حقيقية، وحرص العدو المحتل على التظاهر بمظهر الباحث عن السلام والمتعاون الداعي للاستقرار في المنطقة، وآثر الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع الدول العربية وبدأ (حربًا باردة طويلة الأمد) معهم، مستخدمًا أسلوب الحروب بالوكالة ومعتمدًا على (دول أخرى) تتحكم في مصادر تلك الأنهار، أو تشارك الدول العربية في تلك الأنهار، وعمل الكيان الصهيوني على تعميق صلاته مع الدول (غير العربية) المحيطة بالأقطار العربية؛ وخاصة (تركيا وإثيوبيا) تحت ذريعة التطوير والتنمية والاستشارات الفنية واستخدام التقنية المائية المتطورة، واتخذها حصان طروادة (لتنفيذ مخططاته) لاستنزاف العرب وإشغالهم بقضايا تعطل التنمية العربية.

الحديث عن سد النهضة (في أثيوبيا فقط) لا يمكن أن يوضح الصورة الكبرى *(للهدف الاستراتيجي)* للعدو المحتل لتأمين حاجته من المياه، واستخدامها كسلاح للتأثير على الدول العربية المطلة على الأنهار في المنطقة.
قبل أثيوبيا، هناك تركيا، فقد ساهم العدو الصهيوني بتمويل مشاريع تركية لإنشاء العديد من السدود على نهري دجلة والفرات وأشهرها سدي (أتاتورك وأليسو)، هذه السدود (22 سدًا تقريبًا) في طاقتها الكاملة بإمكانها تجفيف نهري دجلة والفرات!.
عمليات تشييد السدود في تركيا الغنية بالمصادر المائية والتي (لا تحتاج لهذا العدد)؛ إضافة لرفضها اتفاقيات تقسيم نسب مياه نهري دجلة والفرات، يتم بالتزامن مع مخطط تقسيم العراق إلى (3) دويلات (شيعية وكردية وسنية) تطل جميعها على نهري دجلة والفرات، اثنتان من تلك الدويلات سوف يكونان الجاران الجديدان للحدود السعودية شمالًا، وعن طريق التحكم في تلك السدود التركية سوف يكون الأمن المائي (للدولتين الجديدتين) مهددًا وسلاحًا ضدهما وسببًا للتدخل والتأثير على قراراتهما وسوف يكون حصولهما على الماء مشروط بتنفيذ ما تمليه عليهما سياسة الكيان المحتل (الممول لتلك السدود)!
في أفريقيا، كانت أطماع العدو المحتل بقيادة (مناحيم بيجن) من خلال مشروعه بسحب مياه النيل عبر سيناء (إبان الاحتلال لسيناء) وتوقف المشروع بعد الانسحاب، ولم ولن تتوقف الأطماع في مياه النيل، لذا كرر العدو ما فعله في آسيا؛ حيث تقتضي خطة الكيان الصهيوني حصار مصر والسودان مائيًّا والالتفاف حول مياه النيل (من مصدره) بالتعاون مع إثيوبيا ومساندتها ماليًّا وفنيًّا، وتقديم الاستشارات لبناء السدود (كما فعلوا ولا زالوا في مشاريع السدود في تركيا)!.
الخطر على مصر و السودان من سد النهضة ليس محصورًا في الأضرار المائية، بل يتجاوزه إلى الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن خفض منسوب مياه النيل؛ مما سيضع حكومتي مصر والسودان تحت الضغط الشعبي للخروج من أزمة نقص مياه نهر النيل إما من خلال حل عسكري أو الرضوخ لشروط العدو المحتل التي يطرحها عبر إثيوبيا.

دراسات المختصين من فنيين وعسكريين أكدت عدم حاجة إثيوبيا لهذا الكم من السدود على روافد نهر النيل (عطبرة، النيل الأبيض والنيل الأزرق)؛ لأنها تملك ثروة مائية هائلة (من بحيرات وأنهار ومخزون من المياه الجوفية) تحقق لها التنمية مهما كان حجمها، واستنتجوا أن هناك أهدافًا ومصالح أخرى خلف تشييد تلك السدود! لهذا يجب على الدول العربية أن تتخذ موقفًا (موحدًا) ضد تركيا وأثيوبيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوقيع على توزيع النسب المائية للبلاد العربية الواقعة في مجرى الأنهار، وأخص تركيا تحديدا، فهذا رئيسها (أردوغان) لا يترك ساعة من نهار دون أن يتحدث عن الأخوة والمحبة والتعاون الإسلامي، فليرنا شيئًا منها في عهد رئاسته!

*ختام*
الأمن المائي أهم من الأمن الغذائي الذي يمكن تحقيقه ببدائل أخرى، وأهم من أمن الطاقة الذي يمكن تأمينها بمصادر جديدة (نووية – رياح…)، أما الماء فلا بديل له. خطورة فقد الأمن المائي أنه قد يتسبب في:حرب جديدة في المنطقة للسيطرة على مصادر المياه التي يؤدي نقصها إلى فقدان الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية.
*فمتى يصحو النائمون؟*

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button