قال صاحبي: هل رأيت ما كانا فانتازيا سياسية بالأمس، وأصبح حقيقة ماثلة للعيان اليوم؟! كيف تحولت هذه الفانتازيا إلى واقع؟ وهل ما يحدث هو إرهاصات لمشروع الشرق الأوسط الجديد؟ أم أنه مشروع خاص تم التخطيط له، وإعداده، وتسويقه، وتنفيذه، بنكهة وتوابل شرقية خاصة؟
لعل ذكر مشروع الشرق الأوسط الجديد يُثير الحساسية لدى البعض، لكن ليس المقصود هنا ما بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، بل هو شكل جديد ومختلف، فلم تعد الولايات المتحدة حاليًّا متبنية هذا المشروع، وليست هي القطب الأوحد، أو هكذا تسير الأمور، فقد برز لاعبون جدد على مسرح الأحداث الدولية، إما بشكل منفرد، وإما بتكتلات في طور التشكيل – روسيا- الصين- الهند،على وجه الخصوص ولهما طموحاتهما ومصالحهما في المنطقة، فروسيا أصبحت سيدة المتوسط، والصين لديها مبادرة الطريق والحزام، والتي تعني للصين الكثير.
الشرق الأوسط الجديد يتنازعه مشروعان؛ فارسي وتركي، في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهة الأخطار التي تطوق المنطقة، أمنية ومائية وبيئة، فالتوسع التركي من سوريا إلى ليبيا، والتبجح الفارسي باحتلال أربع عواصم عربية، والتهديدات المتكررة بتعطيش مصر والسودان، والحرائق المتكررة في مناطق عسكرية ومنشآت نووية إيرانية، مع انعدام توافر الحدود الدنيا من إجراءات السلامة المتعارف عليها دوليًّا، والتي تهدد بشكل مباشر دول الخليج العربي في حالة تعرضها لانهيار طبيعي نتيجة لوجودها في منطقة زلزالية، أو لتعرضهالخلل تقني أو عمل بشري.
كل هذا أوجب التنسيق المستمر بين الرياض، والقاهرة، على أعلى المستويات، لتشكيل حزام أمني لحماية المنطقة من جميع الأخطار التي تهدد وجودها، وقطع الطريق على تحركات جديدة لتفتيت وإضعاف المنطقة، فمصر مهددة بشكل مباشر من ميلشيا أردوغان، والعراق وسوريا أصبحا خارج المعادلة العربية، وتونس في مهب العواصف السياسية، وليبيا تطحنها لعبة الصراعات الدولية والأطماع النفطية، والسودان عُرضة للانقسامات والصرعات الداخلية، واليمن تجاذبات عشائرية وقبلية وولاءات فارسية، والسعودية ودول الخليج العربي أصبحت مهددة بشكل مباشر من إيران!!
هذه هي الفانتازيا السياسية التي تحولت إلى حقيقة ملموسة، كانت تتجاهلها العقول والعيون حتى تمت لخبطة الأوراق في منطقة الشرق الأوسط عامة، وتنبهنا فجأة لنهوض تركيا وإيران بنظامهما الجديد المتدثر (بالإسلام السياسي) وأصبحا يقولا كلمة الفصل في المنطقة، فلا تسوية في القضايا العربية إلا عبر بوابات غير عربية لا تكن للعرب إلا الحقد الدفين، والاحتقار المهين، في ظل غياب مشروع عربي موحد ومتكامل كانت نتيجته:
1ــ تحول المنطقة العربية إلى حلبة للصراع بين القوى الكبرى الجديدة والقديمة والدول الإقليمية صاحبة المشاريع التوسعية على حساب الدول العربية.
2ــ العرب وحدهم من يدفع الثمن، دون أن تلوح في الأفق بوادر تضامن عربي، ولو بشكل جزئي.
3ــ اضطرار بعض الدول العربية للدخول في صراعات محتملة لم تكن واردة في الفانتازيا السياسية العربية، فمن كان يتصور وقوع صدام مصري تركي على الأرض الليبية، أو حتى صدام مصري أثيوبي من أجل الماء.
4ــ تراجع الدور الغربي عن المنطقة، في مقابل صعود قوى أخرى أصبح لها تأثيرها الواضح في ملفات المنطقة، دون سعي عربي لتنويع سلة علاقاته السياسية، وتوثيقها، فالعلاقة مع الشرق لا تعني استبدال الغرب.
وأخيرًا الخطوة الأهم للتعامل الرشيد مع هذه الأوضاع هي أن يسود إدراك مشترك بين العرب أنهم الخاسر الوحيد في هذه التجاذبات السياسية الدولية، مالم تتحد كلمتهم وقلوبهم، ويتحولوا إلى صانع لمستقبلهم ومشاركين فاعلين على قدم المساواة مع القوى العالمية والإقليمية في رسم حاضر ومستقبل العالم على نحو يضمن الأمن والرخاء للجميع.
قلت لصاحبي:
مصير هذه المنطقة لا يجب أن يُترك لغير دولها أو يُهمل لتعبث به قوى إقليمية أو دولية، المنطقة أحوج إلى التكاتف لا إلى التنافر، فالواقع يقول إن الحلول المستوردة لا تفيد، بل إن ضررها أكبر من نفعها، لعلها فانتازيا سياسية تتحقق قريبًا.