المقالات

موسم حج “استثنائي”

سيسجل التاريخ – وبمدادٍ من ذهب وبأحرف من نور -، نجاح قيادتنا الرشيدة – أيّدها الله – في تنظيم وإقامة موسم حج “تاريخي واستثنائي” في هذا العام 1441هـ، ولأعداد محدودة من الراغبين في أداء مناسكه من المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات، وذلك بسبب انتشار جائحة “كورونا” وتفشيها في مختلف دول العالم؛ حيث شكل الحجاج المقيمون ما نسبته 70% من حجاج هذا الموسم، فيما شكل السعوديون نسبة 30%، غالبيتهم من القطاعين الطبي والعسكري، والذين كانت الاشتراطات الصحية هي الأساس في عملية اختيارهم، ودون أي استثناء لأحد، حيث إن عمليات الاختيار قد تمت بطرق ووسائل إلكترونية وبشفافية تامة، مع مراعاة دقيقة للمحددات الصحية، والتي كان من أهمها حصول الحاج على شهادة (PCR) الصحية المعتمدة، والتي تثبت خلوه من أعراض فيروس “كورونا” المستجد، وكل ذلك من منطلق ما للتجمعات والحشود البشرية الكبيرة من خطورة، ومن إسهام ملموس في تفشي العدوى، مما يؤدي لازدياد معدلات الإصابة، وذلك بعد وضع التدابير اللازمة والخطط الناجعة، والاحتياطات والاحترازات الواجبة، وجميع متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم، وتعقيم كافة المرافق اللازمة، لضمان سلامة حجاج البيت العتيق وجميع الكوادر العاملة في خدمتهم، وحمايتهم من مهددات هذه الجائحة، ومن قبيل الاهتمام بتمكين ضيوف الرحمن، من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام في أمن وصحة وسلامة، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، ولكي يتم بشكل آمن صحيًّا، وذلك من منطلق الشرف الذي حبا الله سبحانه وتعالى به هذه البلاد المباركة – قيادة وشعبًا -، ألا وهو خدمة ملايين الحجاج والمعتمرين في كل عام، لكي تقوم جميع الجهات المعنية والمختصة هذه التوجيهات السامية الكريمة موضع التنفيذ، ولتعلن جاهزيتها القصوى واستعداداتها الكبرى، وتسخير جميع طاقاتها وكوادرها البشرية، وحشد كل إمكاناتها المادية والتقنية لخدمة ضيوف الرحمن من حجاج الداخل، وبما يحقق الغايات والأهداف والتطلعات، وللإسهام في الخروج بموسم حج ناجح بكل المقاييس، رغم هذه الظروف الطارئة والاستثنائية والتحديات الصحية الكبرى.

ولقد ظللت أتابع – وبكل فخر واعتزاز – تنفيذ هذه الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية على أرض الواقع وفي مختلف ميادين العمل، وأشاهد كيف أن عمليات تنظيم هذا الموسم تسير وفق خطط إستراتيجية تنفيذية محكمة، وبروتوكولات وإجراءات صحية مشددة، تمثلت في اسـتقبال حجـاج هذا العام المشـمولين بالحجـر بمطـار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، ونقـلهم بالنقل التـرددي لمركز التجمـع المخصص بمكـة المكرمـة، ألا وهو فنـدق “فـور بوينتس”؛ حيث يقيمون فيه لمدة 4 أيام، هذا في الوقت الذي يتم فيه اســتقبال الحجــاج غيــر المشمولين بالحجــر طبقًا لمواعيــد رحــلاتهم المعتمدة، ونقـلهم مـن المطـار لنقطـة التجمـع المخصصة بمكـة المكرمـة، وهي أبـراج مشعر “منـى” العقاريـة، وذلك عقب تنفيذهم إجراءات العزل المنزلي الذي استغرق 7 أيام، وقد وضعت وزارة الحج والعمرة – وبالتعاون والتنسيق مع بعض الجهات المعنية -، خططًا وآليات عمل لنقل الحجاج بشكل متباعد، ولتقدم لهم كامل الرعاية الصحية أثناء إقامتهم، مع القيام بالكشف الطبي اللازم عن أي أعراض لفيروس “كورونا”، مع قيام الجهات المشرفة على تنظيم الحج، بتزويد الحجاج بحقائب خاصة، تم إرسالها لعنوان كل فرد منهم في مدينته عن طريق البريد السعودي، تحتوي على بعض المستلزمات والأدوات الضرورية، وبعض المطبوعات التوعوية والتثقيفية، وغيرها من معينات تسهم في تحقيق التنظيم الأمثل لهذا الموسم الاستثنائي، في ظل تفشي هذه “الجائحة”، ولتتم تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة عقب ذلك، وفق مسارات محددة وتنظيمات نقل تخضع لاشتراطات السلامة، مع تطبيق كل الإجراءات والاشتراطات الصحية والتأكيد على اتباع أعلى المعايير الصحية وأدق الإجراءات الاحترازية، للحفاظ على سلامة الحجاج وسلامة القائمين على خدمتهم، والتي منها إعلان إمارة مكة المكرمة، عن بروتوكولات صحية خاصة بموسم حج هذا العام 1441هـ، تشمل: (الحرم المكي، ومنى وعرفة ومزدلفة ورمي الجمرات، ومقدمي الخدمة، والعمائر السكنية، وأماكن الطعام والحافلات)، وكذلك وضع خطة خاصة بأمن المسجد الحرام، تقوم على 4 محاور، تتمثل في محور “تنظيمي”، علاوة على محور “أمني” يهدف إلى الحفاظ على أمن وسلامة القاصدين، وكذلك محور “إنساني”، بالإضافة إلى المحور “الصحي” الذي يتم التركيز عليه في هذا العام، وذلك بوضع آلية تحدد طريقة الدخول والخروج من وإلى المسجد الحرام، مع تخصيص مسارات خاصة من ساحتي المسجد الحرام الجنوبية والغربية، ومسارات أخرى في صحن المطاف وأدوار المسعى المتكررة، والتي تضمن – بمشيئة الله تعالى -، تطبيق الاحترازات والتدابير الإجرائية حفاظًا على سلامة الحجاج. وكل هذه الاستعدادات المتكاملة التي تتم عبر تطبيق خطط تنفيذية شاملة، واستنفار كبير لجميع الجهات الأمنية والصحية والخدمية، تهدف جميعها لتمكين هؤلاء الحجاج من تأدية مناسكهم بكل يسر وسهولة.

وفي الختام، أتوجه بالدعاء لله سبحانه وتعالى بأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين، وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمان للإسلام والمسلمين وضيوف الرحمن، وأن يزيد بلادنا العزيزة توفيقًا وتسديدًا، وهي تضطلع بمسؤوليتها على أكمل وجه في خدمة الحرمين الشريفين، ورعاية وفود الحجيج، وأن يعتبر موسم حج هذا العام، امتدادًا طبيعيًّا لما تحقق من نجاحات قياسية في مواسم الحج السابقة، وأن يعجل -عزّ وجلّ- برفع البلاء عن المملكة، وأن يحمي دول العالم أجمع من هذه الجائحة، إنه سميع مجيب الدعوات.

* وكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية للدراسات الاستشارية
* أستاذ مساعد الهندسة البيئة والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية
* مستشار مركز إدارة المخاطر والأزمات (سيف)، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button