في غرة أغسطس من عام 2005م رحل عن دنيانا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز “رحمه الله”، بعد أكثر من عقدين في الحكم وإدارة شؤون الوطن والمواطنين وخدمة الحرمين الشريفين بكل تفانٍ وتجرد وصدق وإخلاص شهد به القاصي والداني، وبصورة عامة فقد خدم أمتيه العربية والإسلامية، بل والإنسانية جمعاء؛ حيث كان حاضرًا بنخوته وإنسانيته في كثير من متاعب العالم ومعاناته سواء على الصعيد المجتمعي أو الفردي.
وقد تشرفت كثيرًا، بالوقوف عن قرب مع تجربة مليكنا الراحل من خلال كتابي (الملك فهد بن عبدالعزيز) ليس مجرد ملك.. الصادر عن الدار السعودية للنشر والتوزيع، وهو غيض من فيض تجربة مليئة بكل الحكمة والحنكة والذكاء السياسي، وقد أشرت إلى ذلك في مقدمته حين قلت: إلى قائد أبحر بسفينة بلده وأمته بكل اقتدار في ظل أمواج عاتية شهدتها المنطقة والعالم بأسره. إلى رجل المواقف الحكيمة في أوقات الشدة برؤية تستشرف المستقبل. إلى الوجه المشرق لصورة العربي المسلم والملك الإنسان. إلى صاحب المشاريع الشامخة على أرض الواقع كشموخ النخلة وسط الصحراء تشير بدنو قطوفها وحلو ثمارها إلى عطاء رجل اخلص لربه وشعبه. إلى القائد صاحب المهام الجليلة لتحقيق الخير والمصلحة والمنفعة لشعبه وأمته وللإنسانية جمعاء. إلى الفارس الذي ترجل ورحل، ولم تسقط من يده بيارق العزة والكرامة، وترك خلفه أسطورة المجد وعظمة الإنجاز. إلى روح خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، وجبر الله مصابنا ومصاب الأمة فيه بخير أنه على كل شيء قدير.
لم يكن فهد بن عبدالعزيز مجرد ملك وإنما نموذج إنساني فريد، فحياته المليئة بالإنجازات فخر لكل سعودي عن قائد محنك، ويملك طاقة فريدة في العمل هي التي قادت إلى تحقيق إنجازات سبقت عصرها، وكتبها التاريخ بأحرف من نور بدءًا من نظام الحكم والشورى والمناطق وقيادة النهضة الشاملة وطباعة المصحف الشريف، وتوسعة الحرمين الشريفين والعناية بالمساجد وتطورات خدمات الحج والمراكز الإسلامية العالمية والتضامن العربي والقضايا الإسلامية وقضية فلسطين ومواجهة الغزو العراقي، وغيرها كثير.
يمكن تأليف سلسلة غير محصورة بعدد في الملك فهد بن عبدالعزيز، ولكن يكفي أن ما فعله في حياته يعتبر شاهدًا له بشهادة الخلق عند خالقهم بأنه أنجز وبذلك ما في وسعه لما فيه خير أمته ودينه، وترك لنا إرثًا عظيمًا وهائلًا من الأعمال الجليلة والتجربة الثرية التي تضيء لنا جميعًا الطريق، وتمنحنا تلك الطاقة الداخلية التي تجعلنا نعمل وكافح ونبذل الجهد من أجل الأوطان والأمة والدين والإنسانية، فهو يظل بحق ملهمًا عميقًا ومنارة عالية في سمائنا ما بقينا أحياء.. رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وتقبله أحسن القبول مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، ولا نملك إلا أن ندعو له في سرنا وجهرنا لما قدمه طوال حياته من خير وعمل صالح يبقى، ويظل شاهدًا على عظمة قائد ومجموعة إنسان فعل كل ما هو حسن وجميل لصالح الإنسان والإنسانية.