في مثل هذه الأيام من كل عام يتوافد ملايين الحجاج من أصقاع الأرض؛ ليؤدي مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام وسط استعدادات ضخمة من السعودية مادية وبشرية، إلا أن جائحة كورونا منذ أن تفشت بالعالم اختلطت الأوراق.
ولأن الحج يجتمع له ملايين البشر من أصقاع الأرض يؤدون شعائر وأعمال موحدة بزمان ومكان واحد؛ فقد توقع الكثير أن توقف السعودية الحج لهذا العام ولها الحق؛ ولكان ذلك وفقًا للإجراءات الصحيحة لمواجهة هذا الفايروس وفقًا للمعايير العالمية(والسعودية قد سبقت الكثير من الدول في اتّخاذ أقصى الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة وسط إشادة المنظمات العالمية المتخصصة حتى أن الكثير من الدول العالمية التي كانت تكابر، وتزايد في اتخاذ إجراءات مواجهة كورونا لأسباب اقتصادية أو انتخابية عادت للإجراءات التي اتخذتها السعودية)، ولو سمحت بالحج ككل عام لتعذر فرض إجراءات حمايتهم من الفايروس فمثلا بالطواف حول الكعبة المشرفة الذي يطوف به آلاف من البشر بالساعة الواحدة في أعلى كثافة بشرية في المتر المربع الواحد، وكذا السعي، والوقوف على صعيد عرفة، ورمي الجمار وغيرها من أعمال الحج؛ ولعادت ملايين الحجاج لبلدانهم ولربما حاملين للفايروس بدلًا أن يعودوا من أرض السلام، وأقدس بقاع الأرض كيوم ولدتهم أمهاتهم؛ ولكان ذلك مثار سخط واحتجاج من حكوماتهم.
ولكن جاء القرار الحكيم من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين بأن لا يعطل الحج وبنفس الوقت يلتزم بالإجراءات الاحترازية؛
لذلك تم وضع أقصى الاحترازات لهذا الحج الاستثنائي وفقًا لبرنامج محكم لهؤلاء الحجاج من اشتراط شهادة صحية والخضوع لحجر صحي قبل الحج وبعده، والتزام التباعد الاجتماعي في كل تحركات الحج، وغيرها من الاشتراطات المفروضة لسلامة الحجاج، وقلص عدد الحجاج للحد الأدنى 10000 حاج من الداخل، وخصص 70%للمقيمين والباقي (للمواطنين من الكادر الطبي والعسكريين المواجهين للوباء)، وجندت له آلاف الكوادر الطبية والأمنية والاعتمادات الضخمة وسيتم هذا الحج بدون إصابة -بإذن الله- وفعلًا ما لا يدرك كله لا يترك جله.
وفي النهاية لابد لكل منصف أن يقف احترامًا لمثل هذه القرارات التي تبنى على علم ودراية، ويراعى فيها حماية النفس البشرية، وتقديمها على كل شيء.