رغم التحديات.. وبعض العقبات والصعاب والظروف الصحية الطارئة التي تمثّلت في انتشار جائحة “كورونا” وتفشيها في جميع الدول، استطاعت “السعودية” أن تُبهر العالم، وأن تقدم أنموذجًا: (صحيًّا، وأمنيًّا، وتنظيميًّا، وإداريًّا، وهندسيًّا)، يُحتذى ويُقتدى به، وقد تمثّل ذلك في ما حفل به موسم حج هذا العام 1441هـ من مشاهد مدهشة ومناظر رائعة، يعجز القلم عن التعبير عنها، والعبارات عن وصفها، والتي تجلّت على أرض الواقع، وعاشها العالم أجمع وعايشها عبر القنوات الفضائية، والتي تمثّلت في نجاح قيادتنا الرشيدة – أيّدها الله – في تنظيم وإقامة هذا الموسم “التاريخي والاستثنائي” ولأعداد محدودة من المواطنين والمقيمين، الأمر الذي أكّد قدرة كوادر المملكة وطاقاتها البشرية من مختلف الجهات والقطاعات – الحكومية والأهلية والتطوعية – على التعايش مع مختلف الأحوال والظروف، وهي التي تضافرت جهودها، وأثبتت قدراتها الفائقة على التخطيط والترتيب والإعداد والتنظيم والإشراف والتنفيذ، وذلك لما لها من قدرات ومقدرات، وبما اكتسبته من خبرات ومهارات ومعارف ميدانية سابقة في فنون “إدارة الحشود”، ولتترجم توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، لواقع ملموس، ولخدمات وتسهيلات كبرى، شكّلت مشاهد رائعة، شدّت كل من شاهدها، ولترتسم في ذهنه وتظل عالقة في ذاكرته بحيث لن تُمحى منها أبدًا، ومنها تلك اللوحة الرائعة والبديعة والمتفردة والمتميزة لعملية الطواف حول الكعبة المشرفة، والتي تجلّت فيها جميع معاني الترتيب والتنظيم، وعكست كل التدابير الطبية والاحترازات الصحية والوقائية الدولية، من عدم اكتظاظ وازدحام وتقارب وملامسة، وطبقت جميع إجراءات التباعد الاجتماعي، وترجمت شعار: “حج آمن وصحي” لأفعال وأعمال على أرض الواقع، ولشكل إضافة مهمة لمزيد من اللوحات الأخرى التي شهدتها المشاعر المقدسة أثناء أداء بقية مناسك الحج، والتي تم فيها اتخاذ جميع الإجراءات للحفاظ على سلامة الحجاج طوال وجودهم فيها، والتي كرّست قدرة شباب بلادنا العزيزة على تقديم نموذج متفرد لجميع بلاد العالم ودوله، التي أوصدت أبوابها – حتى أمام عودة مواطنيها ناهيك عن استقبال الزوار والسياح -، وألغت جميع مناسباتها من دورات أولمبية، ولقاءات ومؤتمرات، واجتماعات، ومعارض سنوية.
إن هذا النجاح المتميز والمتفرد المتمثل في ما حققه موسم حج هذا العام 1441هـ من مؤشرات قياسية – رغم التحديات الصحية – لم يأتِ من فراغ، وإنما تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى وبعونه وتوفيقه أولًا وأخيرًا -، ثم بسبب الإعداد المسبق المتقن والمحكم والتخطيط العلمي السليم الذي تم على أعلى المستويات، والتي بدورها تعد عوامل مهمة شكلت أهم ملامح خطة موسم الحج التنفيذية، وكذلك بسبب تجنيد أعداد كبيرة من ذوي الخبرات والاختصاص لخدمة هؤلاء الحجاج، والتي تمثلت في فرق خدمات متكاملة، تضم قائد صحي وقائد تنظيمي ومشرف، لكل عدد محدود من الحجاج، مع وجود مرشد مرافق لكل مجموعة، وتوظيف عدد من الإداريين والمهندسين والمراقبين والمراقبات والمشرفين والمشرفات للوقوف الميداني على الخدمات ومتابعة الأعمال، هذا بالإضافة إلى التشديد على تطبيق البروتوكولات الصحية التي أقرتها الجهات المختصة وتنفيذها بحذافيرها، والتي منها تقسيم الحجاج إلى مجموعات منفصلة، وبأعداد لم تتجاوز 20 شخصًا، مع تخصيص حافلات لنقل نصف عدد سعتها في المرة الواحدة، مع تحديد الحافلة نفسها لذات المجموعة طوال فترة أداء المناسك، وكذلك تخصيص المقعد نفسه لذات الحاج طوال الفترة نفسها.
هذا بجانب تفعيل أعلى وأرفع التطبيقات الهندسية، التي تجلت قيام الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي – وضمن إطار خططها الاحترازية -، بوضع مسارات افتراضية مزودة بملصقات أرضية مؤقتة في مداخل أبواب الحرم المكي لدخوله والخروج منه، وتزويد جميع الساحات والمرافق بهذه الملصقات الأرضية المؤقتة، لتنظيم مسارات دخول الحجاج، ولضمان تطبيق التباعد الاجتماعي بين الأفواج، هذا بجانب تحديد بعض المسارات لهذه الرحلة الإيمانية، والتي منها مسارات معقمة ومحددة للتباعد الاجتماعي في منطقة صحن المطاف والممرات، وكذلك تجهيز مسارات في المسعى، مع تحقيق التباعد بين الحجاج بمسافة مترين، وأيضًا تخصيص مسارات لأداء شعيرة رمي الجمرات، والحرص على تخصيص مساحة مستقلة لا تقل عن 9 أمتار لإسكان كل حاج في منى وعرفات ومزدلفة، وتوزيع أكياس مغلفة ومعقمة لحصى الجمرات على الحجاج، مع القيام بعمليات التعقيم والنظافة اللازمة في مسجد “نمرة”، وتحديد مسارات خاصة لدخوله والخروج منه، وتقسيم المسجد، ووضع ملصقات تحدد مواضع الصلاة وذلك بعد ترقيمها وتصنيفها بألوان مختلفة، حسب خطة التفويج المتفق عليها مع وزارة الحج والعمرة، وبهدف تحقيق التباعد بمسافة مترين بين كل حاج وآخر، إلى جانب تحديد منطقتي عزل صحي ومركز صحي داخل المسجد، وإنشاء مستشفى ميداني متكامل، ومن هذه الإجراءات كذلك، اقتصار إعاشة ضيوف الرحمن على الوجبات مسبقة التحضير المغلفة، وكذلك تحديد مسارات أخرى لنفرتهم وتصعيدهم للمشاعر المقدسة، هذا بالإضافة إلى بعض التحديثات المتواصلة للخطط الأمنية، وتكثيف الجهود المبذولة لنجاحها.
هذا بجانب تسخير “التقنية” التي كانت حاضرة – وبكل قوة – في هذا الموسم الاستثنائي، وتطويعها لخدمة حجاج هذا الموسم الاستثنائي، والتي بدأت ببوابة إلكترونية لوزارة الحج والعمرة، تمت من خلالها وعبرها عمليات التقديم والاختيار، مع إتاحة عدد من التطبيقات الإلكترونية لاختيار الخدمات وتقديم الطلبات والرغبات، وإصدار بطاقة ذكية لكل حاج تختص بإدارة وتنظيم رحلة حجه هذه، واستخدام الأسورة الإلكترونية للحصول على معلومات الحاج وتحديد مكانه أثناء العزل المنزلي، مع تطبيق العديد من إجراءات “الحج الذكي”، وتصميم مراكز متخصصة للعزل المؤسسي، وغيرها من إجراءات وتدابير يصعب حصرها في هذا الحيز الضيق.
والله ولي التوفيق,,,
——————-
* وكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية للدراسات الاستشارية.
* أستاذ مساعد الهندسة البيئة والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية.
* مستشار مركز إدارة المخاطر والأزمات (سيف)، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.