علم الإدارة هو أحد العلوم الإنسانية الاجتماعية، وقد اهتم هذا العلم بالطرق المثلى للقيام بالأعمال في المؤسسات والمنظمات، وهو علم يعتمد بشكل أساسي على فهم وإدارة السلوك الإنساني، وتوظيف الموارد البشرية والمادية بما يحقق أهداف المؤسسات والمنظمات.
وهذا يتطلب من الإداري التمكن في فهم طبيعة السلوك الإنساني ومعرفة مبادئ، وسلوكيات وأسس ووظائف الإدارة، وتطبيقها بما يتناسب مع الأحداث والمواقف بمرونة ومهنية عالية.
ومن هنا فممارسة الإدارة لغير المتخصصين في مجال الإدارة أو في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية هي مخاطرة غير محسوبة النتائج؛ وخاصة من المتخصصين في مجال العلوم العلمية والطبيعية؛ لأن إعداد وتأهيل هذه التخصصات يعتمد على التعامل مع قوانين وقواعد وخطوات محددة للوصول لنتيجة محددة، وهذا السياق يختلف مع طبيعة الإدارة والعلوم الانسانية والاجتماعية..
وقد يقول البعض إن هذا الطرح يتنافى مع الواقع حيث إن أغلب القيادات في الشركات الكبيرة، وفي كثير من المؤسسات عالميًّا ومحليًّا هم من المهندسين تحديدًا ؟!
وهذا من الطبيعي أن يكون أغلب قيادات الشركات عالميًّا ومحليًّا من المهندسين؛ لأن هذه الشركات بحكم طبيعة نشاطاتها لا توظف إلا مهندسين وفنيين وبالتالي من يتولى الإدارة فيها مهندسين ولديها سياسات تعاقب اداري تعزز هذا الإحلال الوظيفي.
مثل ما أن قيادات المدارس هم من المعلمين والمعلمات وبنسبة ١٠٠% بحكم طبيعة المجال.
ومثل ما أن رؤساء المحاكم هم من القضاة والقانونيين..وبنسبة ١٠٠% بحكم طبيعة عمل المجال.
فهل أحد يردد أن المعلمين هم الأجدر بالإدارة والقيادة؟
أو هل أحد يردد أن القضاة والقانونيين هم الأجدر بمجال الإدارة والقيادة؟
لماذا دائمًا يتردد أن المهندسين هم الأفضل في الإدارة والقيادة؟!
فالظروف والواقع وطبيعة عمل الشركات والمؤسسات هي من جعلت المهندسون يمارسون الإدارة على نطاق واسع.
وقد أجرت كلية إنسياد دراسة في عام ٢٠١٥ لبحث المسببات التي قد تدفع البعض لهذا الانتقال ويعد أبرزها: أن سبب إنتقال المهندسين للإدارة هو أنهم غير متميزين في الهندسة وفي مجالهم من الأساس، فالمهندسون المتميزون نجدهم قادرين على ممارسة التأثير على القرارات الإدارية بطريقة غير مباشرة، وليس لهم أي اهتمام بالمناصب الإدارية.
ولو نظرنا إلى كتب الإدارة وعلمائها ومنظريها، تجد النظريات التي كتبها مهندسون مثل المهندس الأمريكي «فردريك تايلور» أحد رواد المدرسة الكلاسيكية، ومؤسس الإدارة العلمية، أو المهندس الأمريكي «فرانك جلبرت وزوجته ليليان»، الذي اهتم بدراسة الزمن والحركة، والمهندس الأمريكي «جانت» الذي استخدم طريقة الخرائط لإدارة المشاريع، والتي عرفت باسمه فيما بعد «مخططات جانت»، والمهندس الفرنسي «هنري فايول» صاحب نظرية المبادئ الإدارية،جميعها نظريات تعرضت للنقد وأهم الانتقادات على هذه النظريات أنها تعاملت مع الإنسان كالآلة وأهملت الجانب الإنساني، وهي نظريات في أحسن الأحوال مناسبة للتطبيق في مستويات الإدارة الدنيا، بل أغلبها لم يعد قابلًا للتطبيق منذ فترة زمنية بعيدة.
بينما مثلاً نظرية البيروقراطية لماكس ويبر وهو (عالم اجتماع الماني) تعد أشهر وأكثر النظريات تطبيقًا في الإدارة إلى الآن؛ خاصة في المؤسسات والأجهزة كبيرة الحجم وهي تناسب مستوى الإدارة العليا.
وكذلك نظرية (الحاجات الإنسانية) لإبراهام ماسلو أو مايعرف بهرم ماسلو وهو (عالم اجتماع أمريكي) من أكثر وأشهر النظريات تطبيقًا في مجال الإدارة، وتناسب كل مستويات الإدارة.
وايضًا نظرية النمط القيادي والنضج الوظيفي لهيرسي (عالم اجتماع) وبلانشارد (عالم إدارة) والتي تحدد النمط القيادي الملائم وفقًا لمستوى النضج الوظيفي لدى العاملين، وهي نظرية عملية وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان ولا تزال تطبق في كل المنظمات.
وايضًا نظرية فيدلر (تخصص علم نفس) النظرية الموقفية، والتي تربط السلوك القيادي بالمواقف والظروف المحيطة، وهي نظرية لا تزال ملائمة وصالحة للتطبيق في مجالات العمل المختلفة..
وهذه بعض الأمثلة فقط على أهمية تخصص الإدارة، وأنه تخصص مرتبط بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وبعيدة كل البعد عن التخصصات العلمية التطبيقية، ولا يصح القول إن التخصصات العلمية (الهندسة مثلاً ) هي الأجدر في مجال الإدارة والقيادة، وماحصل من ممارسات ونجاحات هو بحكم الواقع والظروف الملائمة، وهذا لا يعني عدم وجود بعض المتميزين في الإدارة والقيادة من التخصصات العلمية والذين طوروا مهاراتهم في مجال الإدارة والقيادة وعملت مؤسساتهم على تطويرهم والاستثمار فيهم وإعدادهم، وتأهيلهم للعمل الإداري والقيادي وكان لهم إنجازات واضحة وشاهدة لهم.
ولكن القاعدة الأساسية أن الإدارة تخصص إنساني واجتماعي وفرص نجاح التخصصات العلمية في هذا المجال أقل من فرص نجاح التخصصات الإدارية والإنسانية الإجتماعية.
———————
دكتوراة في الإدارة والتخطيط