تمر العلاقات العربية-العربية بمنحنى صعب منذ مؤامرة التقسيم الأوبامية-التركية-الإيرانية-الإخوانية المسماة ”الربيع العربي”. فقد خرجت من المعادلة دول كبرى ودخلت دويلات صغرى، ونهشت في الجسد العربي أنياب العجم.
وفي العقد الثاني من الألفية الثانية، شهدنا تفكك هيكل الأمة وضعفها وهوانها على الناس. فقد انشغل كل بداخله، وبحال جيرته. والحرائق التي اشتعلت في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والصومال، أشغلت مشرق العرب، وحريق ليبيا أشغل مغربهم ومشرقهم على السواء.
واليوم، يزداد الأمر سوءًا بجرأة الفارسي والبيزنطي الذين حملا في هذا العصر لواء الإسلام، شيعة وسنة، ووجدا بيننا مناذرة وغساسنة يفتحون لهم الأبواب والنوافذ، ويسلمونهم الأرض والعرض، ويقدمون أبناءهم علفًا للمدافع.
وتسعى المملكة العربية السعودية، وهي من الممالك التي نجت من حرائق الغرب والشرق، إلى إعادة بناء الصف العربي في وجه مليشيات الإرهاب ورعاته. فبعد أن هدأت جبهة سوريا، تشتعل جبهة ليبيا التي أصبحت مثال الموائد العربية التي تتكالب عليها الأمم والجماعات. فمعسكر تركيا وإيطاليا وجهاديو النصرة وداعش والقاعدة يواجه معسكر مصر وداعميها العرب مع فرنسا وروسيا. وبين هذا وذاك تشتعل الأرض ويفنى الخلق.
ولإعادة بناء القلعة العربية، تأتي جولة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لمصر وتونس والجزائر والمغرب. كما تأتي الاتصالات الخليجية والمشرقية، وأبرز ما أفرزته عودة مرتقبة للعراق إلى الحصن، خاصة وأنه من أكثر من ابتلي بالتدخلات الأجنبية في غياب الحاضنة العربية.
ولا شك أن جيران ليبيا أكثر المبتلين بما يجري فيها، فـ”الفوضى الخلاقة” التي استعرت على أرضها تهدد من حولها، وخاصة من لهم حدود برية طويلة، مصر والسودان وتونس والجزائر، تعبرها قوافل التهريب للسلاح والمرتزقة، ويستغلها الإخوان والجهاديون في ربط خلاياهم في غزة وسيناء شرقًا بعصاباتهم التركية والقطرية غربًا وجنوبًا. وبالتالي كان لا بد من أن يجتمع الصف وتتحد الكلمة في مواجهة هذه الأخطار، وإطفاء تلك الحرائق، وإخراج العجم من أرض العرب.
ولعل المطلب الذي يتلاقى فيه العرب والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي هو خروج جميع القوى الأجنبية من الأرض الليبية وإعطاء الفرقاء الليبيين الفرصة لحل خلافاتهم بعيدًا عن الإملاء والتدخلات الأجنبية، مع السماح للوساطات الدبلوماسية العربية والأفريقية، والأممية بتقريب وجهات النظر، وضمان مايتم الاتفاق عليه.
وبعد ذلك يأتي دور التنمية وإعادة الإعمار، وتقديم الدعم والمساندة لحكومة ليبية منتخبة تضم كافة الأطياف السياسية والمجتمعية، وتعبر عن إرادتهم وطموحهم. وهنا ياتي دور الصناديق الخليجية والعربية والدولية والدول الداعمة والاستثمارات الخارجية؛ لتحويل ليبيا إلى ورشة عمل ينشغل فيها الناس بتنمية اسرهم ومدنهم وبلادهم والمشاركة الديمقراطية السلمية في إدارة الحكم عن الحروب، والصراعات، والارتزاق الأجنبي على حساب أمن ومصلحة بلادهم وجيرانهم.
موقف عربي موحد كهذا من خلال الجامعة العربية،
وبالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة سينقذ ما يمكن إنقاذه، ويوقف الحرب الأهلية الدائرة، ويحيد القوى الطامعة في نفط وغاز وسواحل ليبيا الاستراتيجية ويعيد ليبيا إلى الحاضنة العربية والأفريقية دولة فاعلة، منتجة، بناءة.
ولو تلكأت الأمة في مواجهة هذه التحديات، فقد لا يمر وقت طويل قبل أن تتقاسم الأرض “المحروقة” دول الاستعمار القديم-المستجد من العثمانية، والروسية إلى البريطانية، والفرنسية والإيطالية، والأمريكية. وحينها من سيوقف شهيتها في التوسع في كل الاتجاهات لاحتلال، أو السيطرة على الدول المحيطة؟ ومن سيمنع عودتنا إلى ما قبل أعوام التحرير في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؟ وهل ستشهد الجزائر عشرية سوداء أخرى، ومصر إخوانية أوبامية ثانية، وتونس ثورة على الثورة، وبقية البلدان التي عصفت بها رياح ”الخريف العربي“ فوضى جديدة على يد إدارة ديمقراطية أمريكية ثانية؟ ومن سيدعم الحكومات الأفقر لإطفاء نيرانها إذا نضبت فوائض الأغنى؟
دقت ساعة اليقظة، وعلى كل معتزل ومستأمن أن يدرك بأن دوره لا شك آت. فدروس التاريخ علمتنا أن ممالك الطوائف سقطت واحدة بعد الأخرى، لأنها اختلفت فيما بينها، فجافت الصديق وعاهدت العدو، وأمنت وراء أسوارها. وليس أمامنا اليوم غير التناصر والتحالف، وأن نترك الخلف والتنافس وراءنا، لمواجهة العدو المشترك. وإلا صار بنا ما سبق إلى غيرنا، فالتاريخ يعاقب من يهمل درسه، وكما قال سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (إلا ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار).