الحمد لله على قضاء الله وقدره، في الساعة العاشرة من صباح يوم الاثنين 20 من شهر ذي الحجة عام1441هـ، فقدت الأمة الإسلامية عالمًا جليلًا وفقيهًا بارعًا، أسهم في خدمة الفقه الإسلامي إسهامًا كبيرًا، كما أسهم في مجال التعليم والإدارة والعمل الخيري وغير ذلك، ذلكم هو صاحب الفضيلة معالي الشيخ الدكتور عبدالسلام داود العبادي تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وقد كان لفضيلة الفقيد آثار جليلة كثيرة فقد عرفته الجامعات الإسلامية معلمًا قديرًا، وموجهًا نافعًا، وعميدًا بارعًا، بل تسنم ذرى التعليم الجامعي إذ عُين رئيسًا لجامعة آل البيت، وناقش كثيرًا من أطروحات الماجستير والدكتوراه، وتسنم أعلى المراتب في وزارة الأوقاف الأردنية إذ عين وزيرًا لها ثلاث مرات وله باع طويل في مجال العمل الخيري إذ كان أمينًا عامًا للهيئة الخيرية الأردنية ورئيسًا للجنتها التنفيذية، وقد شغل هذا المنصب ثمانية عشر عامًا متطوعًا لله، وكان معاليه رئيسًا للجنة التعاون والتنسيق مع الشعوب الإسلامية، وقد حصل معاليه على عدد من الأوسمة والجوائز بلغت أحد عشـر وسامًا وجائزة.
أما في مجال المجامع الفقهية فله يد الطولى؛ إذ كان عضوًا في مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة منذ تأسيسه ممثلًا للمملكة الأردنية الهاشمية، ثم تقلد منصب نائب رئيس المجمع ثم الأمانة العامة للمجمع حتى وافاه الأجل المحتوم، كما أنه عضو في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وقد شارك معاليه في مؤتمرات المجلسين المذكورين وغيرهما من المؤتمرات الفقهية والدعوية والاقتصادية والفكرية بفعالية، وأسهم إسهامًا كبيرًا في تقديم البحوث العلمية الرصينة، وأثرى تلك الاجتماعات بالنقاشات البناءة المفيدة، كما كان عضوًا ورئيس تحرير مجلة هدى الإسلام، كما تم تعيينه عضوًا في مجمع البحوث بالأزهر.
أما المؤلفات ما بين كتب مطبوعة وأبحاث قدمت للمؤتمرات
فعددها سبعة وخمسون مؤلفًا في مجالات علمية مختلفة، من أشهرها كتاب الملكية في الشـريعة الإسلامية طبيعتها ووظيفتها وقيودها دراسة مقارنة بالقوانين الوضعية، مطبوع في ثلاثة مجلدات. وقد قدم في هذا الكتاب المتميز دراسة مستفيضة عن الموضوع الذي تناوله، حصل بموجبه على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة الأزهر عام 1972م بمرتبة الشـرف الأولى مع التوصية بطباعة الرسالة، وتبادلها مع الجامعات، وترجمتها إلى إحدى اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية، وقد استفاد من هذا الكتاب الكثير من طلبة العلم، وخاصة كتب في موضوع الملكية.
وقد استفدت أنا شخصيًّا في مجالات مختلفة، وإن لم أكتب مؤلفًا في الملكية.
وفضيلة الشيخ قمة عالية من تواضع العلماء، وسماحة الفضلاء، ودماثة الخلق، وطيب المعشـر، مع همة عالية في إنجاز ما يتولى أمره أو يسند إليه.
ولا ينسى الفقهاء جهده الكبير في النهوض بأعمال مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي تولى أمانته مرتين، ووافاه الأجل المحتوم، وهو يغذ السير في كل ما يرتقي به.
وإني لأرجو أن يكون فقيدنا شهيدًا؛ لأنه توفي بمرض كورونا الوبائي، كما أرجو أن يكون ممن أخبر الله سبحانه وتعالى عن رفعة درجاتهم من أهل العلم والإيمان فقال عز من قائل:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. وقد مدح الله ورسوله ﷺ العلماء فقال رسول الله: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، والعلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد).
هذا هو العالم الجليل والفقيه، الفاضل والمدير، والأمين والوزير الأستاذ الدكتور عبدالسلام داود العبادي، وما ذكرته عنه إنما هو صورة موجزة كل الإيجاز راجيًّا أن تنم عما وراءها من فضل كبير.
أسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
—————————————-
الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي