أبدأ صدر مقالي بقصة من القرآن الكريم لفتية أهل الكهف المتسمين بعقيدة أخلصوا لها، ثم أصابتهم خلوة وغفوة امتدت بضع قرون طرأت خلالها تغيير وتنوير في مجتمعهم،
وأفاقوا، وظنوا أن بالإمكان العودة إلى ما كان، والتحدث للمجتمع بلغة الماضي، ودعوتهم إلى ما كانوا يدعونهم إليه صوابًا في عصرهم، ولكنهم كانوا من العقل والحكمة إن أدركوا أن الحياة تبدلت بشرًا وفكرًا وقضايا، وكشفت لهم بصيرتهم النافذة ان لكل زمان رجاله وفكره ومعتقداته، ومن ثم أثروا السلامة، وعادوا إلى كهفهم فهو بهم أحق وتركوا الحياة لأهلها يصنعها الأحياء بفكر وقيم ولغة عصرهم فهم أعلم بأمور دنياهم، ورغم ذلك لم تفهم مغزى ودلالة هذه القضية.
ففي عصرنا الحاضر ثمة فئة من فقهائنا وعلمائنا يؤثرون كهف الماضي على شمس الحاضر، ومن ثم ينحرون المستقبل الذي ركيزته ثورة في فيض المعلومات، وثورة في عالم التقنية، وفضاء الاتصالات، والقدرة على استثمارها وتوظيفها.
إلا أننا ننأى عن أي محاولة جادة وجريئة في سبيل مواجهة تاريخنا الحضاري، واستنطاق نصوصه من نظرة تحليلية نقدية تاريخية تتناول جذور الغذاء الثقافي الذي نقتات عليه أجيالًا بعد أجيال، وصاغت نهجنا في الحياة، وعلاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين.
لذلك لابد أن تكون أحكامنا قائمة على عقلية ناقدة للحاضر والماضي على السواء، وأن ننقح موروثنا الفكري والثقافي موروثًا أو مكتسبًا، ونعرف إلى أي مدى يصلح لنا هذا التراث الآن، وما الذي يحتويه من عناصر إبداعية تفيد حركتنا للانطلاق نحو المستقبل.
ولا يتحقق ذلك إلا باتساع الدوائر المعرفية المنفتحة، والخرائط الفكرية، وتطهيرها وتطويرها والتوهج بالأفكار العميقة، والمفاهيم الدقيقة، والانفتاح بروح التعقل، لإبداعات الحضارات الأخرى، وإعطاء العقل مبررات وأسبابًا للتطور والتغيير ليتحقق التنوير وأن يقترن هذا الحراك بالفهم بأن الأمس غير اليوم، وكل يوم له شأن قضاياه ومشكلاته وواقعه وفكره.
ومضة:
” إننا ما لم نؤسس ماضيًّا تأسيسًا عقلانيًّا، فلن نستطيع أن نؤسس، حاضرًا ولا مستقبلًا بصورة معقولة”.