قال صاحبي: يتردد في مؤسسات الإعلام ومدارسه مقولة “الخبر حُر.. والرأي مسؤول”، ولكن ما تمارسه وسائل الإعلام وخصوصًا في هذه السنوات المتأخرة وعلى اختلاف أيديولوجياتها، يعبر عن رغبة في السيطرة على الرأي العام وتوجيهه، من خلال مطابخ إعلامية متخصصة، لها سدنتها وكهانها، الذين يقدمون أطباق الأخبار المتنوعة بحسب رغبة المالك، والممول، وهو ما يعنى أن الخبر أسير من يقوم بإعداده وتجهيزه للانطلاق لمائدة المتلقي الفكرية!
وهنا تقفز إلى الذهن مجموعة من التساؤلات المشروعة، ومنها؛ ما الدور الخفي الذي تمارسه المؤسسات الإعلامية في صناعة الأخبار ونشرها قبل وصولها للمتلقي؟ ولماذا تلجأ هذه الوسائل لعملية تبييض الأخبار؟ وما المصادر التي تعتمد علیھا الوسيلة الإعلامية في إنتاج الخبر؟
عملية غسل الأخبار قديمة، وجدت مع وجود الاتصال بين البشر، استخدمتها الحضارات القديمة، لكنها كانت بدائية في طرائقها، وفي سهولة انكشافها، بعكس عمليات غسل الأخبار في زماننا التي وظُفت فيها مختلف العلوم والخبرات، والتكنولوجيا، من أجل السيطرة على الدول والعقول، فقد أثبتت التجارب في زماننا أن صناعة الأخبار لا تقل أهمية عن صناعة السلاح، إن لم تتفوق عليها.
فالخبر في شكله الحديث، لم يحقق للمتلقي الإشباع الذي يبحث عنه، بقدر تحقيقه مصالح المرسل، التي يسعى لتحقيقها فيمن يوجه إليها بضاعته، فلم تعد تعريفات الخبر في قاعات الدراسة هي التعريف المثالي والمناسب والمتوافق مع ما تتم ممارسته في غرفة الأخبار، وتحمله ناقلات حديثة للتواصل بين البشر، وهو ما يدعو المختصين للتمرد على المفاهيم السائدة، وإيجاد تعريف حقيقي للخبر بعيدًا عن التنظير.
وهنا أعود للتساؤلات أعلاه، فحسب والتر ليبمان –كاتب ومعلق سياسي أمريكي، من أوائل من كتب عن صناعة الرأي العام- فإن الأخبار لا تعكس الحقيقة بل تفبرك الواقع؛ حيث يرى أن الأخبار والحقيقة ليسا الشيء نفسه، ولا بد من التمييز بينهما، فوظيفة الأخبار هي الإشارة إلى حادثة وقعت، أو ستقع، ووظيفة الحقيقة هي إظهار الحقائق بشكل جلي لا لبس فيه، حتى يستطيع الناس أن يتصرفوا بناء عليها.
فعند وصول الأخبار إلى قاعات التحرير، يتم العامل معها وفق السياسة التحريرية التي تنتهجها الوسيلة الإعلامية، بناء على توجهات مالكها، أو ممولها، أو القائم بالاتصال فيها؛ حيث يتعرض الخبر لعملية تتصل بمضمونه، وشكله، والصور الساكنة، أو المتحركة التي سترافق الخبر في طريقة إلى المستهلك النهائي، ولا تخرج هذه المرحلة غالبًا عن نشر الخبر ومرفقاته كما أتى من المصدر، وهذا في حكم النادر، وإما بطريقة عدائية ومتحيزة من خلال عرض جانب، وإغفال آخر، وإما بخلط الرأي بالخبر وهذا هو السائد.
وبالتطبيق على قنوات الأخبار في عالمنا العربي تبرز قناة الجزيرة في صناعة الأخبار، وتبييضها من خلال إعداد الأخبار وفي سياستها، ثم إرسالها لإعلام الظل المملوك أو الممول من قطر؛ حيث تبدأ وسائل “المنبع” بنشرها، وتداولها على نطاق واسع عبر مختلف الوسائل، حتى ينتهي به المطاف عند قناة المصب “الجزيرة” التي تذيع الخبر منسوبًا لمصدره حتى لا تفقد مصداقيتها أمام متابعيها، مستغلة شهرتها وأعداد متابعيها للترويج للقصة التي تهدف نشرها بطريقة ملتوية، كما تفعل عصابات بتبييض الأموال!!.
قلت لصاحبي:
ومن أصدق من الله حديثًا؛ (يا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).