ثمة تصور لدى البعض ان الأيدولوجيا قائمة على مفهوم واحد وهي الأفكار التي تتصادم مع العقيدة وتجافي تعاليم الدين ، وهذا مفهوم غالط لان الايدولوجيا هي أفكار تخضع لتعاريف مختلفة وهي مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات وتعمل باليات متعددة ومتداخلة ، ومن اشكال الايدولوجيا الجديدة هي التي تزاحم عنوة دون معنى وتفتقد لأليات التقدم وصوغ المعاني وتعيش مفارقات كبرى على الصعيد الاجتماعي وانعكاس هذا المنحنى خطير جداً لان بالضرورة الساحة الاجتماعية تفضي الى أروقة الوطن بكل عرضه وطوله وما تتبناه المجتمعات هو منعكس على الوطن اذا كنا نرى ان الوطن هو ذات الانسان ، فالوطن يكمن في ذات الانسان ، في كيانه وفي وجدانه ، والعلاقة بين الوطن والانسان علاقة تكاملية تتصاعد الى ذروتها بعطاء الانسان فيحدث معاني مختلفة من التقدم والتطور وبالتالي تتشكل الحضارة التي هي جزء من ثمرة جهد الانسان فيحصل حالات من الرقي والتقدم في جوانبها المختلفة ويمتد الى ذلك حالات التعايش وتتبادل الناس المنافع فيما بينها ، من هنا يتحقق المعنى السامي لمفهومي اعمار الأرض والاستخلاف ، وما نحن بصدده في هذه المقالة هو النسق الكلي للأفكار عند البعض ، ولهذا فان من انساق الأيدولوجيا هو الاشتغال نكاية بالأخر وهذا هو من سيعادي حالات التغيير والانتقال من وضع لأخر فعندما يكون هناك جموع من الناس تسعى الى صناعة الحياة الجديدة وفتح افاق للتقدم وبكل اشكاله ليس على المستوى الاجتماعي وانما في مختلف مسارات التنمية والنهوض بحالات المجتمع وكذا البنى التحتية التي تتطلب حضور واع يبتعد عن التفسيرات الخاطئة والوعي الزائف وتبتعد عن المصالح الضيقة لتتسع لكل رقعة الوطن ، ترى تلك الفئة تتصدى لهذا النمط من الحالات وفق سلوك مختلف يوحي للعوام بانه الراي الاخر ووجه الحقيقية الغائب ، وباسم تعدد الآراء والرأي المختلف يغرس مفهوما اخر للخلاف لتمتد الى حالة من التشظي والانقسام وتستمر الآراء بوعيها الزائف بِخَطأ التفكير المجانب لبناءات الوعي الذي نحن نعول عليه لرفع سقف الثقافات المجتمعية ، عند ذلك تتكشف للجميع قراءات متعددة ، منهم من يقرأها على انها منضوية تحت ستار الجهل ، فمدركات الوعي تحدد مسار المنهج على مبدأ تكلم وسأعرف من تكون ، اننا حينما ندير الزوايا المختلفة تتبدى لنا افاق لرؤيا متعددة وتتقشع حالات من الاعتمام والغبش قد يكون من اقربها توثيق عرى العلاقة وزيادة لوشائج القربي في الوطن والتي تفضي الى لحمة اجتماعية تتجسر بين كل أبناء المجتمع وتسير منتظمة ووحدة هذا الوطن المعطاء الذي لا يجب ان يتجزأ ، ومنهم من يرى ان ذلك لا يكمن في العقول وانما في القلوب على مبدأ (حسداً من عند انفسهم) وهكذا تتعدد القراءات وتتباين من طرف لأخر الا ان منطلقات التصالح مع الذات يفترض هي من سيقود تعدد عطاءات الإنسان وهذا ما سيزيد من انتاجيته في الاتجاهين على مستوى الصعيد الشخصي فيما يعرف بالتغذية الراجعة باطمئنان وقرار النفس و يتعدى ذلك الى الاروقة الاجتماعية والثقافية كل حسب وضعه وجهده وهذا بالضرورة منعكس على الرواق الاجتماعي والوطني ويتحقق منه المعنى السامي لمبادي الخيرية وهذه هي دون ادنى شك ديمومة واستمرارية من عطاء لا ينقطع ومن جذوة لا تنطفيء ، وهكذا تتحقق المضاعفة بين الذكر الطيب والاثر الباقي ، وهذه الابعاد من شانها تشيع في ارجاء الوطن وبين كل فئات المجتمع ويكون التناوب بين خلف وسلف وتزيد ببعدي التأثر والتأثير وهكذا تستمر عطاءات الانسان في اداره متناوبة لدولاب عجلة الحياة.
الجدير بالذكر انني قبل فترة وجيزة استضفت في احدى مجموعات (الواتس اب) بدعوة من أستاذ فاضل كان الهدف من الاستضافة الى زيادة التواصل بين أبناء المحافظة لاسيما بين من يعتقد انهم محسوبين على الثقافة ،والسعي لإثراء النقاش الهادف والبناء الذي من شانه خدمة هذا الوطن، وبعد طرح موضوع للنقاش كان كما أتذكر عن جانب تنموي هام جداً وهو طريق العقيق القرى وكان النقاش على ان يستمر هذا الطريق الى محافظة المندق وكانت مداخلتي ان يستمر هذا الطريق الى دوس الامر الذي سوف يشكل نقلة نوعية في السياحة وان جدوى الطريق من الناحية الاقتصادية نافعة الى حد كبير كون دوس لها بعد ثقافي وتاريخي الى جانب البعد الجغرافي فطبيعة دوس متنوعة والبيئة الجغرافية متميزة وخصوصا وادي ثروق بإطلالته الباذخة والمحاذية للشفاء الى جانب الغابات الكثيفة وارتفاع الجبال التي تزيد عن سبعة الف متر عن سطح البحر، فاذا ما التفت له وبشكل جيد وفقا للتوجهات العليا فان ذلك سوف يضمن روافد اقتصادية وموارد مالية كبيرة وفقا للخطط المرسومة لرؤية 2030 فأهداف الرؤية تتسق واهداف مختلفة منها الجوانب الاقتصادية وما سيتحقق للمملكة من بعد ثقافي وحضاري الى جانب الهجرة العكسية التي تشكل البعد الاستراتيجي والهاجس الاكبر في المراحل اللاحقة لخطط التنمية والتي سوف تسهم بشكل مباشر على الاقتصاد من خلال إعادة تدوير المال في الاستثمارات الصغيرة في مشاريع البناء والاحلال الوظيفي والمهني وغيرها ممن سيهم بطريقة غير مباشرة في الاقتصاد الوطني لكنني فوجئت بحذفي من المجموعة في صورة مشينة لا تمت للعقل بصلة ولا أرى في ذلك الا انغلاقا مرضيا يجافي مفهوم الوطنية وحق الاختلاف ، وفي حال يكون هناك فوارق في الطرح والروى والتفكير لا يجب ان تعاقب الطرف الاخر بالإقصاء ونبذه من الساحة الفكرية فالأولى النظر الى العنوان الكبير الوطن والانتماء لهذا الكيان الى جانب ما يطرحه ويقدمه على طاولت النقاش وهنا يكون القياس الحقيقي ، انني ادرك تماما ان هذا الامر تكرر مع غيري ، ولهذا انتهز هذه الفرصة لعل فيما سبق وضعت النقاط على الحروف وضاءة بعض الزوايا المظلمة ، كما اناشد من هذا المنبر العقل الواعي واحترام قدرات الاخرين في طرح الرؤى والأفكار وانه ليس بالضرورة ان تكون على اتفاق تام مع الاخر وان الفروق الفردية بين الأشخاص هي من سنن الله في الارض وان بناء الوطن والعطاءات الفكرية لا يجب ان تنفصل وكل يعمل على شاكلته.
والى لقاء ..
————————-
ماجستير في الادب والنقد