يثير النظام الإيراني قضية القدس كل عام في آخر يوم جمعة من شهر رمضان، ويطلق عليه يوم القدس العالمي. ينظم مظاهرات، ويرفع لافتات تدعو لإزالة إسرائيل وتحرير فلسطين من خلال الشعارات والهتافات التي مر عليها أربعة عقود، وهي بالتأكيد جعجعة بلا طحين. تأتي تلك الدعوات والمظاهرات في إطار البروبوغندا الإيرانية الهادفة إلى لفت أنظار العالم بأن النظام الإيراني مع الشعوب الثائرة والقضايا العادلة. منعت جائحة كورونا هذا العام النظام الإيراني من تنظيم تلك المظاهرات في الشوارع، واكتفى المسؤولون الإيرانيون بالتصريحات والخطابات الرنانة وإطلاق التهديدات الجوفاء. وأهم تلك التصريحات والتهديدات ما جاء في منشور المرشد الإيراني خامنئي على موقعه الإلكتروني الخاص وفي حسابه على تويتر.
أثارت مفردة “الحل النهائي” بالإنجليزية (final solution) وبالألمانية (Endlösung) في الملصق الذي نشره خامنئي، قضية الخطة النازية لإبادة اليهود في المانيا إلى الأذهان من جديد، والتي تم تنفيذها على مراحل بهدف التخلص من اليهود في أوروبا في الأربعينيات من القرن الماضي. لم تأتِ اختيار مفردة “الحل النهائي” اعتباطيًّا، بل كانت مدروسة حيث لخامنئي عشرات المستشارين السياسيين والإعلاميين والأمنيين الذين يمحصون المفردات ودلالاتها بعناية قبل نشرها. جاءت هذه المفردات لاستفزاز الشعب اليهودي قبل استفزاز أي دولة أخرى؛ حيث رافقتها قرارات صدرت من قبل البرلمان الإيراني لمضايقة اليهود الإيرانيين، ومنعهم من السفر إلى القدس في المناسبات الدينية أو التواصل مع أقرباههم هناك.
كان الملصق باللغة الفارسية مختلفًا من حيث المفهوم والرسائل التي أراد خامنئي إرسالها إلى المتلقي، وهنا تبرز الإزدواجية والنفاق الذي يمارسه خامنئي ونظامه تجاه قضية فلسطين. كتب على الملصق الذي نشره موقع خامنئي باللغة العربية “فلسطين ستتحرر، الحل النهائي، المقاومة حتى الاستفتاء” وبالفارسية تم كتابة “القدس ستصبح خرمشهر الثانية”. وخرمشهر هي مدينة المحمرة عاصمة الأحواز قبل احتلالها عام ١٩٢٥ من قبل إيران. وأراد خامنئي في الملصق باللغة الفارسية والذي وعد أن تكون القدس المحمرة الثانية، إرسال رسالة واضحة إلى أصحاب ومتبني مشروع إيران التوسعي وهي دعوة مبطنة لضم القدس إلى الخريطة الإيرانية؛ حيث تشكل قضية فلسطين مادة دعائية رابحة لذلك المشروع. لم يظهر النظام الإيراني ما كتبه باللغة الفارسية ونواياه الحقيقية تجاه فلسطين، وكتب نصًا ومفردات مختلفة؛ حيث كانت رسالة النص العربي لخداع الفلسطينيين والنص الإنجليزي للاستفزاز من أجل المساومة على فلسطين وكسب أمتيازات لمشروعه التوسعي في المنطقة.
لا يؤمن النظام الإيراني البتة بحق الشعوب في تقرير مصيرها ولا في تطبيق الاستفتاء على شكل الحكومة والنظام السياسي، حيث يحرم النظام الإيراني سبعة شعوب تعيش في الخريطة الإيرانية من أبسط حقوقها الإنسانية والثقافية بالإضافة إلى حرمانهم من حقهم السياسي في إنتخاب النظام ومسئوليه، بل قتل الحرس الثوري الإيراني آلاف المتظاهرين السلميين وآخرها كان في شهر نوفمبر من العام الماضي لانهم طالبوا بحياة كريمة وبوضع معيشي أفضل. يتحكم المرشد الإيراني الذي يطالب بحق الشعوب في الاستفتاء وحق تقرير المصير بالسلطة منذ أكثر من ثلاثين عامًا ويهمين على الاقتصاد الإيراني من خلال عشرات المؤسسات والشركات التجارية التي لا تخضع لرقابة وتدر له مليارات الدولارات، وتذهب نسبة نحو %32 من عادات النفط لخامنئي؛ حيث أصبحت له إمبراطورية مالية ينفق مليارات الدولارت منها على سياسيات إيران التخريبة في المنطقة، وأهمها تدريب المليشيات ودعمها عسكريًّا وماليًّا لتعبث بالمنطقة دمارًا وخرابًا، كما هو حال سوريا واليمن والعراق، بالإضافة إلى ممارسة الإرهاب وعمليات القرصنة في المياه الإقليمية والدولية.
والجانب الآخر والأهم في نفاق النظام الإيراني ودعواته المزيفة لتحرير فلسطين إحتلال النظام الإيراني لاراض ومناطق عربية واسعة تعد مساحتها أكثر من عشرة أضعاف مساحة فلسطين، وهي الأحواز وجزر الإمارات العربية المتحدة ومناطق حيوية من العراق. لا يدعم النظام الإيراني عمليًّا الشعب الفلسطيني ولا لقضيته العادلة، بل يقدم الأموال والسلاح لفصيلي حماس والجهاد الإسلامي لتعزيز الإنقسام وإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني ونشر الطائفية في غزة واستخدام تلك الفصيلين كأوراق وأدوات في مشروعه التوسعي والتوغل في عمق المجتمع الفسلطيني الذي لم يعرف الانقسام والطائفية قبل تدخل طهران. يناصر النظام الإيراني بعض القضايا دعائيا فقط كقضية فلسطين، ويدمر قضايا ومجتمعات عديدة أخرى، انطلاقًا من مصلحته السياسية، وليس انطلاقًا من دعمه للشعوب والدول الإسلامية كما يروج له الإعلام الإيراني، حيث وقف النظام الإيراني بالضد من قضايا وشعوب إسلامية أو يتخذ الصمت تجاهها مثل الشيشيان في روسيا والأيغور في الصين بسبب تحالفات النظام الإيراني ومصالحه السياسيه مع تلك الدولتين.
لم يكن مستغربًا إطلاق التصريحات والدعوات لإبادة شعب على غرار النازية من قبل النظام الإيراني، بل الغريب في الأمر أن تلك الدعوات جائت على لسان أعلى مسؤول في النظام الإيراني وهو المرشد الذي بيد السلطة الحقيقية في إيران، وهذا يدل بان النظام الإيراني وصل إلى مرحلة خطيرة من الهستيرية والتهديد العلني بالقتل الجماعي والإرهاب المنظم.
————————
كاتب وباحث بالشأن الإيراني