هل يكون الألم خطيئة في ذاته؟
وهل يوجب عليك الاستغفار لذاتك؟
ألا يحق لنا أن نتألم؟
الألم بين البحر والجدول مدلول يفتح أعيننا على ذلك المصطلح الشامل ومساراته، ونفهم من ذلك الترابط ثنائية المسلك لذلك المدلول العام.
وأراه كذلك، فأنت بين خصام أزلي وادعاء متزايد في إثبات أولوية الجسد وتبعية النقيض داخل ذلك العالم، في حين ارتفاع صوت الروح وما وراء الملموس لإثبات الاستحقاق من ذلك الألم وما عدا الروح يأتي بالمرتبة الثانية ولعل الجسد قد أخفق في هذا، وتبين “مؤخرًا” أن الجسد لا يعدو أن يكون غرًّا على ضفاف الألم وحملًا وديعًا في حرب الأوجاع والأسقام.
تنادما ألم الجسد والروح ذات مساء، وكل منهم يريد إثبات سطوته، فلما قضى ألم الجسد من مقاله أطرق ألم الروح هٌنية ثم قال: لن أكثر العجيج ولكن، تذكر أن بعض قوتك ليست إلا بعض مما وهبتك، وتذكر كذلك أن الكثير مما تتسبب أنت يكافحه طبيب “بلا خبرة” وأما أنا فالانتحار نهاية لما افرضه، وعلى أقل تقدير اكتئاب يبقي صاحبي ميت قبل الموت.
وأيا كان فكلاهما يملك سلطته، ويفري فينا متى أراد، والحزن والقلق والصداع والمغص بارعة في تهديد السعادة بشقها المعنوي والجسدي.
هل يحق لنا الألم؟
يحدد الإجابة مستوى ذلك الألم، والذي يعتبر بين مستويين مختلفين، الأول هو المستوى البسيط والذي يأتي بالنمطية الابتدائية كما يقال، وقد نسميه بالألم المجرد، وهذا يتساوى فيه البر والفاجر والمفكر والمجنون ولا يحق لنا مجرد الشكوى، وهذا ما يعتبره الفلاسفة هو مفتاح الإبداع وطريق العبقرية، كما يقول مؤسس علم النفس الأمريكي وليام جيمس، وعبر عنه الكاتب المصري عبدالوهاب مطاوع حين ربط نضج الإنسان باكتمال مدته فوق نار الألم، وهذا المعنى الإيجابي نجدده مكررًا لدى الكثير من المفكرين ولو أردتم الشطط في هذا لكانت الفلسفة الرواقية أوضح الأدلة على هذا، فقد استبعدت الحزن والألم تمامًا من تركيبة الإنسان، وكانت أكثر قسوة وطاغوتية تجاه ذلك الشعور فالموت مثلًا إن تمكن ممن تحبه قد لا تسمح لك تلك الفلسفة إلا ببعض عبارات الأسف مجردة من الشعور، وكرست قسوتها في انتفاء الألم تمامًا، ولا ندري فقد نصبح نحن الأكثر مبالغة في بعض الشعور وعلى أي حال فهذا المستوى الذي لا نملك فيه الأمر هو ما قصدت بالألم البسيط الابتدائي والذي لا يعد خطيئة أو جُرمًا.
أما النوع الآخر فهو الألم المركب، والذي تصنعه أنت من الألم وتسقيه، وتربيه وتحتضنه كبعض منك، يقوم هذا النوع بالتعاون بين الألم المجرد الموجود سلفًا، وبين تلك الذات التي تستجره وتنشر نشارته وتعيد بناءه وترفد مستنقعاته، فمع كل بادرة تجاوز تأتي بوادر الوقوف ولكل لمحة وفاة تأتي لمحات إحياء، وبرامج إنعاش، كل هذا لأجل أن يبقى الألم، وينشط الحزن ويتمكن الوجع.
هذا النوع ولا شك هو خطيئة يعقبها خطايا ويعضدها رزايا، يعاقب عليها قانون البقاء ويجرمها دستور الحياة، ولا يمكن التنبؤ بتلك الخاتمة ونهاية ذلك التأجيج.
يحق للجميع أن يتألم، ولكن لا يحق لك أن تصنع من ذلك الألم سحابة تستمطرها في كل حين، كما لا يحق لك العبث بزمن لم يتسلط عليه الألم حقيقة، فكما أن للألم وقته وزمنه فإن الراحة لها زمن، وحين تعيش الألم في زمن الراحة تكون قد بالغت في الظلم لتلك الأطراف: الذات والراحة والألم.
أخيرًا “لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم” على حد قول توفيق الحكيم، ولكن لن يكون عظيمًا في غير وقته وخارج إطاره المقرر من قبل الأقدار.
غرد ب”هل يكون الألم خطيئة”؟!
رياض عبدالله