قال صاحبي: ألا تتفق معي أن بروز الهوية المناطقية يمثل خطرًا كبيرًا على الهوية الوطنية؟ أليست هذه الظاهرة الخطيرة تشكل الوجه الآخر للطائفية التي اخترقت المجتمعات العربية، وأحالتها إلى فرق وطوائف تتناحر من أجل أوهام وتبعية عمياء؟! والضحية هو الوطن.
تتعدد التسميات، وتختلف الهيئات، ولكنها تتفق على نتيجة واحدة هي الإقصاء ومحاربة الآخر، وتعطيل التنمية، وتفويت الفرص على الأجدر والأفضل، فالحزبية، والإقليمية، والقبلية، والجهوية، والعائلية، وإن اختلفت حروفها، فقد التقت حدودها، في إغلاق المساحات، وتفويت الفرص، إلا على ذوي القربى والجماعات!!لم يسلم منها بلد عربي، فعلى الصعيد السياسي، حالت دون تحقيق السلام والوئام بين مختلف أطياف المجتمع التي ابتليت بها، والشواهد من حولنا كثيرة، فكما لم يسلم منها الفضاء السياسي، ابتلي بها الإعلام والتعليم وجميع الأعمال دون استثناء.
والنتيجة الحتمية حرمان الوطن من الكفاءات، بتفويت فرص العمل على كل مستحق ومتميز، وإتاحة الفرصة لمن يلتقي معها فكريًّا أو مناطقيًّا، حتى لو لم تكن مؤهلة أو مهيأة لهذا العمل، “إن خير من استأجرت القوي الأمين” قوة في الجسد، وقوة في التخصص مع التحلي بالأمانة حتى يتمكن الموظف من أداء متطلبات العمل، ولكن نتيجة المناطقية وضعف المدخلات انعكس سلبًا على جودة المخرجات، والأخطر شحن بقية أبناء المجتمع الواحد على بلدهم.
فالطائفية السلاح الذي استخدمه الأعداء بخبث لتمزيق المجتمعات العربية، وإضعافها، تم بقصد وتخطيط وتدبير، والمناطقية لا تقل خطورة وتدميرًا لنسيج المجتمع الواحد، وزرع الفرقة بين أبنائه، ونشر بذور الاحتقان والفتنة بينهم، لكنها تتم دون قصد وبحسن نية أحيانًا، بحجة نفع الأقارب والمعارف بالوظائف العامة التي تم اعتمادها ليشغلها الأكفاء من أبناء الوطن، فالمعيار هو الجدارة، والتأهيل، والقدرة على الوفاء بمتطلبات هذه الوظيفة فقط، وليست ملكًا للمدير يهبها لغير مستحقها.
وهذا الأمر هو أحد المهام الخمس التي قررها المختصون في علم الإدارة، وتقع على عاتق المسؤول الأول في كل جهة حكومية، وهي:
التخطيط: هذه الوظيفة الإدارية تهتم بتوقع المستقبل، وتحديد أفضل السبل لإنجاز الأهداف التنظيمية.
التنظيم: يعرف التنظيم على أنه الوظيفة الإدارية التي تمزج الموارد البشرية والمادية من خلال تصميم هيكل أساسي للمهام والصلاحيات.
التوظيف: يهتم باختيار وتعيين وتدريب ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب في المنظمة، وهذا أحد الأركان الرئيسة لنجاح المسؤول قبل نجاح المنظمة.
التوجيه: إرشاد وتحفيز الموظفين لتحقيق أهداف المنظمة.
الرقابة: الوظيفة الإدارية الأخيرة هي مراقبة أداء المنظمة، وتحديد ما إذا كانت حققت أهدافها أم لا.
إذًا الإدارة تكليف وليست تشريف بحاجة لعمل متواصل وإشراف ومتابعة ومحاسبة، لا انزواء في مكتب وثير، واحتجاب عن المواطنين الذين وضع لخدمتهم، وعدم الظهور إلا أمام عدسات الكاميرات، والأهم ان يتحول المسؤول إلى قائد وأن يدرك الفرق بين الإدارة والقيادة، وأن يحسن اختيار المساعدين، والأعوان الذين يساعدونه على تحقيق أهدف المنظمة، وأن يتخذ من كتاب حياة في الإدارة لمعالي الدكتور غازي القصيبي –رحمه الله- مرشدًا، مع استلهام الدروس من لدن قيادتنا الكريمة التي فتحت القلب قبل الباب للمواطن، والسعي لأن تكون أحد مفاتيح سعادته، وهي كذلك.
قلت لصاحبي:
ليس كل من حصل على شهادة في الإدارة يجيد السباحة في جداولها، فضلًا عن بحارها، فالإدارة فن قبل أن تكون علم، والنجاح في تطبيق مبادئها يعتمد بالدرجة الأولى على خصائص الأشخاص، والشواهد كثيرة في مجتمعنا ممن أبدع في قيادة المنظمات التي أوكلت إليهم إدارتها، ولم يعرفوا كتب الإدارة وروادها ومدارسها.