التعديات أسوأ أنواع الفساد، فهي مجرد شبكة لصوص يستغلون الليل وإجازات الأسبوع لسرقة مساحات لا يملكونها، وعندما تكون أخلاق وقيم بعض البشر فعلًا ماضيًّا، والانتهازية تصبح فعلًا أمرًا، وعندما تكون الهمجية فعلًا مضارعًا، والنفس الأمارة بالسوء يصبح فاعلًا، والصادق النزيه يكون مفعولًا به، والمال السائب يكون مفعولًا لأجله، والفاسد يسمونه “ذئب” كصفة، وصاحب الحق ممنوع من الصرف، والضمير غائب، والمصلحة الذاتية مبتدأ، والوطنية خبر كان، والمخلص منفي، والكذب والتدليس أداة نصب، والموظف المسئول عن هذه التعديات مجرد حرف جر، والمكاتب الهندسية اسم مجرور، وكورونا حال لمن ينشد عن الحال، والأراضي الحكومية ظرف زمان أو مكان، وإزالة هذه التعديات وهذه المشوهات البصرية مستثنى، فلا عجب أن يكون مستقبل الأراضي الحكومية ومشاريعها الجديدة مبنيًّا للمجهول مالم تبدأ حملة إزالة التعديات بدون مواربة، وقد كان.
بدأت فعلًا حملة إزالة التعديات في أنحاء الوطن، لتصحيح أوضاع تسبب تهاون لجان التعديات والموظفين الميدانيين لبعض الجهات في هذا السطو، وهذه السرقات العلنية لمساحات شاسعة في أرجاء الوطن دون استثناء، ولن يسقط الحق بالتقادم فسوف يتساقط المتسببون في هذه الكارثة كأوراق شجر الخريف في زمن الحزم والعزم.
حضرت آخر لقاء في أمارة منطقة عسير، وعندما أستمع لأمير مسقط رأسي تركي بن طلال بن عبدالعزيز وهو يتحدث عن تأثير هذه التعديات على وحدة الوطن وعلى البناء التنموي الشامل فلا أملك إلا الإنصات أمام رجل صادق وقوي وواضح.
المجتمع برمته مقتنع بهذه الحملة التصحيحية، ولكن ماذا عن الذين ساهموا بتهاونهم حتى تمت المباني، وسكنوا الناس في منازلهم ؟ هل سيخضعون للتحقيق والمساءلة ؟ وهل يعيدون الرواتب التي تسلموها سابقًا كأقل عقوبة يستحقونها؟، أما أهل القرى الذين أنشأوا مساكنهم على أطراف مزارعهم فقد طمن الأمير تركي الجميع بأن لهم استثناء عادل، وإن المستهدف لصوص الأراضي فقط.
همسة
إذا فُقدت الحقوق ضاعت الأخلاق، وإذا ضاعت الأخلاق دمرت كل القيم والمبادئ
0