عندما أقلّتنا الحافلة إلى محافظة القرى بمنطقة الباحة مع مجموعة من الإخوة الإعلاميين والكتّاب في المسار الإعلامي الذي ينظمه المركز الإعلامي وفق التوجيه الكريم من صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود أمير المنطقة .. للوقوف على المعالم التّاريخية، والأثرية والتّراثية، والسّياحية، والحضارية بمحافظات الباحة. كنت أستلهم خلال تلك الجولة الجميلة والممتعة جانبًة من حياة الشاعر الشّنفرى الأزدي صاحب لامية العرب الذي يقول في مطلعها: أقيموا بني أمي صدور مطيّكم ،،، فإني إلى قوم سواكم لأميلُ
والتي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “علموا أبناءكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق”، والتي أعجب بها بعض المستشرقين فترجمت إلى العديد من اللغات العالمية الحيّة لثرائها اللغوي، وجزالة ألفاظها، وقوة معانيها، ودقّة تصويرها لحياة الشاعر والبيئة من حوله. وقد ورد في شعر الشنفرى أسماء مواضع لا زالت تعرف بأسمائها حتى الآن، ومنها الناصف، ودحيس، وليف، ومنحل، وذات الراس وهي بوادي بيده، وما حوله تأخذ بعدًا بعمق تاريخ هذا الوادي، ومن عاش في تلك المستوطنات من حوله عبر عشرات القرون. كما تأخذ بُعدًا سياحيًّا بروعة الوادي أيضًا الذي اشتهر بإنتاج الفاكهة، وفي مقدمتها (الرمان) الذي تميّز به على مستوى العالم لمذاقه ولين النواة بداخل ثماره.
حيث زاد سرورنا، ونحن نتجوّل بين مزارع الرمان البديعة، فقد تضاعف اهتمام المزارعين وزاد محصولهم؛ خاصة بعد تأسيس جمعية الرمان هناك والتي نجحت في برامجها بتشجيع المزارعين، وتوفير متطلباتهم، وتدريبهم على الزراعة النموذجية، وإقامة مهرجان سنوي حافل؛ لتسويق منتجهم يحضره المتسوقون من داخل المنطقة وبعض مدن المملكة. ليحظوا بأجود أنواع الرمان؛ حيث سيقام مهرجان هذا العام عمّا قريب.
وتلك المواقع المدهشة تشجع على السّياحة التّاريخية والرّيفية بجمال الطبيعة الفاتنة، وهدوء الريف الساحر، ووجود الآثار العريقة في جنباتها من أبنية وكتابات، ونقوش غارقة في القدم تسجّل لمراحل عاشها الإنسان من قديم الزمان في ذلك المكان، كواحد من المعالم المميزة بمحافظة القرى التابعة لمنطقة الباحة إلى جانب العديد من المعالم التاريخية، والتراثية، والحضارية الأخرى التي شملتها الزيارة التي سنتحدث عنها في المقالة القادمة بحول الله.