منطقة الباحة منطقة زراعية بالدرجة الأولى تمتلك أراضي زراعية واسعة بعضها يتوسد جبالها الشاهقة بمى يسمونها ” العثّري ” التي تعتمد على مياه المطر وهي على شكل مصاطب فوق بعضها في تناسق جميل وأطرافها مبنية من الحجارة يعلوها ما يسمّى بالـ ( كسوة ) على الحافة التي تحفظ المياه من التسرب وعادة ما يكون منتوجها من القمح الأكثر جودة في مواصفاته ثم تأتي المزارع التي تستوطن بطون الأودية وهي الأكبر في مساحاتها ويسمونها ” المسقوي “جمعها مساقي وهذه تعتمد على السقيا بواسطة المطر والآبار التي بعضها له مئات السنين ويقال عنها بأن من حفرها هم ” بنو هلال ” إذ حقرت بطريقة صعبة وبأقطار مختلفة يتراوح طولها ما بين 3-5 م على شكل دائري وعمق يتراوح ما بين 5-30 م بعضها من الحجر الذي لا يُعرف كيف تم نحتها في ظل عدم توفر الإمكانات غير اليدوية والتقليدية مفتوحة الفوّهة إذ تمتلئ حتى وجه الأرض في أوقات سقوط الأمطار في الشتاء بالذات وقد يتناقص حتى يستقر في العمق بما يجعلها مخازن أرضية للمياه النقية الصالحة للشرب وسقيا المزارع من حولها بعض هذه الآبار خاصة وبعضها مشتركة بين مالكي المزارع حولها فيما يتم توزيع مياهها بما يسمونه ” الشِرْب ” بالأيام أو بجزء منها ، وهناك نوع يسمّونه ” الكظامة ” وهو عادة ما يكون بمساحة واسعة وعمق أقل ومياهها ومياه الآبار تأتي من باطن الأرض بنسب مختلفة تنحدر من الجبال المحيطة وهي أشبه بالسدود حاليا .
ثم جاءت مشروعات السدود في الباحة حيث تم بناء أكثر من ستة وعشرين سدّا في السراة والبادية وتهامة بمساحات متفاوتة بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة في مواقع تعتبر مصبات لمنحدرات سيول الجبال والأودية المنتشرة من أشهرها سد العقيق وسد وادي الصدر وسد الجنابين وسد ضرك وسد الملد وسدود أخرى ومما لفت انتباهي تغريده للأستاذ راشد الخرش مدير الخطوط السعودية الأسبق بمنطقة الباحة والسابق في منطقة المدينة المنورة حيث اعتبرها إلى جانب الغابات والآثار التاريخية من مقومات السياحة إلا أنه أبدى استغرابه من إفراغ بعض هذه السدود من مخزونها من المياه وذكر منها ثلاثة سدود في محافظة المندق هي : سد مدهاس وسد وادي الصدر وسد ضرك وسد مشنية وطالب بالحفاظ عليها وإبقاء المياه فيها في فصل الصيف بالذات باعتبارها أماكن سياحية يأتي إليها المواطنون والسيّاح ليستمتعوا بالجلوس حولها ومشاهدة مياهها وما يحيط بها من مناظر طبيعية وخاصة التي تقع بين الجبال التي تكسوها أشجار العرعر والطلح والشت وأشجار الزيتون البري وغيرها من النباتات.
الحقيقة أنني أوافقه الرأي وأضيف بأن هذه السدود جميعها تحتاج لإعادة نظر في طريقة الاستفادة منها للمزارع التي حولها ومن الممكن استغلال بعضها لأجل السياحة كما هو حال سد وادي الصدر الذي وقف عليه من خضر عبد الرحمن الغامدي محافظ بني حسن وفهد بن مفتاح مدير عام البيئة والمياه والزراعة بالباحة للاطلاع على إمكانية الاستفادة منه لصالح السياحة إلى جانب أهمية الهدف منها للخزن الاستراتيجي لمياه الأمطار التي ربما تذهب سدى وإن كانت في الماضي تستفيد منها هذه الأراضي الزراعية عندما كانت محل اهتمام المواطنين قبل الانصراف للوظائف والهجرة وإهمالها أو لنقل الاستغناء عنها ما بعد تدفق البترول وهذا قبل ستة عقود فقط بعد أن تعذر حرثها وصرامها بالطرق التقليدية فيما قال لي أحد المزارعين المشهورين بإنتاج الرمان في بيدة أن الجهة المسؤولة قامت بإفراغ سد بيدة بطلب من بعض المزارعين بحجة سقيا الوادي إلا أنه تحفظ على الطريقة والوقت الذي تم إفراغ السد بها وهدر الماء في الوادي بلا فائدة في ظل قلة الأمطار وشح المياه كان يطالب بأن تتم الاستفادة من هذه المياه بطريقة منظمة تخدم مزارع الرمان بحسب مساحاتها وعدد الأشجار المثمرة فيها وعلل ذلك بقوله أن هدر مياه السد تتسبب في قلة الجودة وتأخر جني الرمان كل عام بشهر وأكثر بسبب قلة المياه وطالب الجهة المختصة بتنظيم فتح السد بحسب حاجة المزارعين الحقيقيين من خلال أخذ رأيهم بواسطة الجمعية وهنا أتساءل واسأل ما هو دور الجمعية في دعم المزارعين بعيدا عن الاحتفال بمهرجان الرمان الذي يشهد بعض الفعاليات التي جعلت منه أحياناً مادة للتندر بسبب ما يسمونه البيع بواسطة الحراج وبلوغ سعر كرتون الرمان فوق الألف ريال يوم الاحتفال كما وأرجو من بلدية القرى تشغيل المبنى الذي أقيم في مفرق بيدة على طريق القرى حيث لم تتم الاستفادة منه وفق ما أنشئ من أجله ويطغى على البسطات الخارجية سوء المنظر والتنظيم طوال الموسم إلى جانب وجود باعة وافدين وبصورة غير منظمة ولا حضارية وكان بالإمكان تأجير المبنى بإيجار رمزي على المزارعين مع تأمين الخدمات الضرورية لهم وللمتسوقين بحكم موقعه وزمن العرض والبيع الذي يتفق مع وقت السياحة كل عام الذي يستوجب تنظيمه بصورة افضل .
اتعطاف قلم :
أرجو من جامعة الباحة والجهة ذات العلاقة بالمياه أن تقوم بدراسة مياه السدود والطريقة المثلى للاستفادة منها لصالح سقيا القرى حولها وسقيا المزارع المحيطة بها وعدم إفراغها من محتواها إلا بما يحقق الصالح العام والهدف الذي بُنيت من أجله .