قال صاحبي: ما الذي سوف يتغير في منطقتنا بعد توقيع معاهدة السلام الإماراتية البحرينية الإسرائيلية؟ ما الفرق بين توقيع الثالث عشر من سبتمبر 1993م، و توقيع الخامس عشر من سبتمبر 2020 ؟ وهل تأخرنا في التوصل للسلام؟ وما مصير قضيتنا الأزلية؟
لعلي أبدأ من حيث انتهيت، لأقول أن القضية الفلسطينية ستبقى قضية عربية، و بنداً ثابتاً في جميع المحافل السياسية، ولكنها مع المتغيرات السياسية والاقتصادية، وبروز أجيال عربية شابة لها تطلعاتها ومتطلباتها، تراجع زخمها، ولم تعد لها الأولوية إذ زاحمتها قضايا أخرى، احتلت الصدارة، مثل التدخل الإيراني في المنطقة العربية، ومواجهة التطرف والارهاب، ومخططات تقسيم الوطن العربي، ومواجهة البطالة والحصول على مسكن، وغيرها.
كل ما سبق لا يخصم من عدالة القضية الفلسطينية، وأهميتها، ودعمها، إذا قررنا هذا يجب أن نقرر أمراً لا يقل عنه أهمية، ألا وهو أن إبرام هذه المعاهدات حق سيادي، ومصلحة عليا لهذه الدول، التي ليس مطلوباً منها أن ترهن مصالحها ومستقبل أجيالها، بحل خلافتكم، وانقسامكم على أنفسكم، وارتهان قياداتكم لدول واحزاب وتنظيمات تتاجر بقضيتكم، وتعادي وتتأمر على هذه الدول الخليجية التي لم تتأخر يوماً عن تقديم الدعم والمساندة لفلسطين وأبنائها، وتحملت في هذا السبيل المكائد السياسية، وحرمانها من شراء أسلحة متطورة بسبب موقفها من القضية.
التحدي الأكبر ليس هو الانفتاح العربي على إسرائيل، بل هو تصافي وتصالح الفصائل الفلسطينية، واتفاقهم على كلمة سواء، والتوقف عن استثمار معاناة ودماء وحرية من تبعهم ووثق بهم!، التحدي في عدم بعثرة أنفسهم، وفقد هويتهم لصالح قوميات فارسية وتركية، تسعى لقضم أراضيهم لو استطاعت إلى ذلك سبيلا، ماذا قدمت تركيا لفلسطين؟، قدمت التطبيع مع اسرائيل، دون الخوض في تفاصيله، قدمت مراكز ثقافية تركية في القدس من أجل تتريكها، ونشر الثقافة العثمانية، وخلعها من انتمائها وجذرها العربي.
وأما النظام الإيراني فقد استثمر القدس وفلسطين، وجعل منهما ومن آلام الشعب الفلسطيني رافعة يتكسب منهاسياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، ماذا قدمت إيران لفلسطين غير البارود نصرة لفصيل على أخر، هل يعلم الفلسطينيون، ومن خلفهم العرب والمسلمون، بأن القدس الموجود على أرض فلسطين ليس له قيمة، و حرمة لدى الخمينين، وأن مسجداً في الكوفة أشد حرمة وأعظم قدسية من قدس العرب!! كما قرره أسلافهم وعلمائهم، في مصنفاتهم وكتبهم، وأن القدس الذي اسري بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لاوجود له على الأرض، وأنه في السماء!! ولعل هذا يفسر لنا لماذا لم يتوجه فيلق القدس، لتحرير قدس العرب!!
هل تأخرت دول الخليج في توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل؟ ربما لم تكن الظروف كما هي اليوم، لا شك أنها تغيرت وتحولت منذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما تبعها من معاهدات، وأصبحت الواقعية السياسية تحكم رؤيةالدول الخليجية، وتوجه مسارها، ففي السياسة وإدارة الاستراتيجيات، ثمة نظريات وأدوات وأساليب أخرى تحقق لك الهدف، فبعد عقوداً من الخصام، الذي لم يحقق للقضية والمنطقة إلا الضرر، وجب على صانع القرار البحث عن إدارة الملفات المتأزمة بطرق أكثر فاعلية، فكان السلام هو المفتاح المفقود، وكلمة السر التي كانت ضائعة.
قلت لصاحبي:
السلام لا يعني غياب الصراعات, فالخلافاتستستمر دائماً في الوجود ..
السلام يعني أن نحل هذه الخلافات بوسائل سلمية.. عن طريق سلاح الحوار, لا حوار السلاح، عن طريق التعليم, والمعرفة, والطرق الإنسانية المتحضرة.