المقالات

صكوك ” الوطنية الزائفة”!

بعد يناير 2011، إستطاعت جماعة الإخوان الإرهابية أن تعمق من فكرتين أساسيتين، هما صناعة الإنقسام والتحريض. وفي إعتقادي أن هذه الجماعة الآثمة إستطاعت أن تحقق تقدماً كبيراً في الفكرتين، ولولا صمود المصريين وتماسكهم وراء دولتهم الوطنية لكان الموقف قد إختلف تماماً.

لا أقول أن هاتين الفكرتين لم تكونا موجودتين قبل هذا التاريخ ولكنهما فرضتا نفسيهما على الواقع المجتمعي في مصر. فقبل هذا التاريخ كان الصراع التاريخي قائم على مصر قبل وبعد 1952، ودارت معارك فكرية على مدى سنوات طويلة بين المثقفين من أنصار ” قبل وبعد ” ، كان الخاسر الحقيقي فيها هي مصر، والرابح بالطبع هي جماعة الاخوان.
في الصراع بين ” الناصريين” و” الساداتين” ، كانت ” الجماعة ” صاحبة الفضل الأكبر في تعميق الخلاف، فهي ترى أن ” عبد الناصر” هو الذي حرمها من حلم الوصول إلى السلطة والوصاية على الحكم في 1954، وسقوط أول تنظيم لقادتها ومحاكمتهم، ولذلك فقد أصبح ” النظام الناصري ” هو العدو الرئيسي للإخوان، الذين سخروا كل إمكاناتهم لتشويه صورته، دارت المطابع بمئات الكتب التي تحمل مظلوميات كوادر الجماعة في السجون.
كذلك لم يسلم عهد “السادات” من حقد الجماعة، رغم أنه العهد الذي سمح لهم بالتحرك بحرية، وخرجت معظم الكوادر من السجون وعادت القيادات الهاربة، إلا أن الرئيس السادات إعترف في النهاية بالخطأ أمام نواب الشعب وتحت قبة البرلمان :” أنا غلطان ..أنا اللي خرجتهم من السجن” .. وبعدها بأسابيع قليلة كان الإغتيال!
أخطر ما رسخت له الجماعة خلال العقود الخمسة الماضية على وجه التحديد، هي فكرة توزيع “صكوك الوطنية”، وهي فكرة أشبه بتلك الوثيقة التي كانت تمنحها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في العصور الوسطى مقابل مبلغ مادي يدفعه الشخص للكنيسة، بغرض الإعفاء من العقاب على الخطايا. فبعد 2011 تغير مفهوم الوطنية في مصر، ليصبح كل من يوالى الإخوان هو ” وطني ” وكل من يختلف معهم هو خائن وعميل.
هذه حقيقة عاصرناها جميعاً ، ففي خلال العام الأسود الذي حكم فيه الإخوان مصر تجلت كل أصناف الإتهامات من “تيار الإسلام السياسي” عموماً، وأصبحت الإتهامات تُطلق من المنابر دون حسيب أو رقيب، لتصيب الآمنين في كل مكان!
بعد ثورة 30 يونيو المجيدة وإنتفاضة المصريين ضد هذه الجماعة الفاشية في أعظم زحف بشري عبر التاريخ، تغير سيناريو المواجهة مع تلك الجماعة المارقة. فلم تعد المواجهة على الأرض بعد فشل سياسية “الإعتصامات المسلحة”، وانما تحولت إلى مواجهة على الواقع الافتراضي!
..ولما لا؟!
على شبكة الانترنت، الواقع الجديد يختلف تماماً. هناك مساحات شاسعة من العقول التي يمكن العبث بها والسيطرة عليها، وتوصيل رسائل لا تستطيع المواجهات على الارض أن توصلها!
هناك أجهزة مخابرات تدفع بأكبر قدر من المعلومات الزائفة، لإختراق العقول في كل مكان، وخزائن مفتوحة للتمويل. كل ذلك يتم وفق تخطيط ممنهج على أحدث نظم تقنية المعلومات.
على مدى أكثر من سبع سنوات ، تحملت الدولة المصرية ما لم تتحمله دولة أخرى في هذه الحرب الإليكترونية المشبوهة، التي تمولها وتدعمها منصات رقمية وترددات فضائية تنطلق من أنقرة والدوحة، هدفها صناعة ” أساطير جديدة ” تعيد مجد “صكوك الوطنية الزائفة”!
هذه المنصات جعلت من ” أرباع” الموهوبين وليس أنصافهم، يقدمون برامج هزيلة، سوقوا عبرها أنهم صناع الإعلام في هذا العصر ورواده، ومن حقهم كقضاة يجلسون على هذه المنصات أن يصدروا أحكاماً بتعظيم فلان أو تحقير علان.
..أصبح ” الكومبارس” فنان كبير ..والعميل مناضل!
الخيانات العابرة للقارات، هو أسلوب قديم لجماعة الاخوان الارهابية، به إخترقت دولاً وأنظمة، ودمرت شعوباً آمنة، وقلبت فصائل على بعضها البعض، وصنعت أمجاداً زائفة لترسخ مبدأ أن مقاومتهم ” خيانة ” والوقوف ضد أفكارهم الهدامة ” عمالة”!
ملخص هذه ” الوطنية الزائفة” في رواية سريعة تجسد حقيقة هذه الجماعة، فعندما إعترض بعض أعضاء مكتب الإرشاد على قبول ” البنا” تبرعاً من الشركة العالمية لقناة السويس ..كان رده عليهم :” المال مال الله ..والأرض أرض الله” ..
هذا هو فكرهم ..وهذه هي ” وطنيتهم الزائفة”!

——————-
sherifaref2020@gmail.com

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button